السبت، وتعللوا بأن ذلك يوم انتهاء الخلق، والنصارى يوم الأحد؛ لأنه يوم ابتدائه، واستبعد هذا المعنى ابن بطال بأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض اللَّه عليه وهو مؤمن، ورجح الاستبعاد القاضي عياض بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل: فخالفوا لا اختلفوا، وأنت خبير بأنه لا يستبعد ذلك منهم كما وقع منهم كثير من العناد والتمرد، وهم الذين قالوا: سمعنا وعصينا، وأنه يمكن أن يكون الاختلاف بمعنى أنهم اختلفوا في أنه هل يلزم بعينه أم يسوغ إبدالُه بيوم آخر، فاجتهدوا في ذلك فأخطؤوا.
قال الشيخ (١): ويشهد له ما رواه الطبري بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ}[النحل: ١٢٤]، ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى، وذهب الأكثرون إلى أن المراد من ذلك أمرهم باستخراجه بأفكارهم، وتعيينه باجتهادهم، فقيل لهم: إن اللَّه فرض عليكم يومًا تتفرغون فيه للفكر والذكر والعبادة فاجتهدوا في تعيينه، وذلك ابتلاؤهم من اللَّه هل يصادفون الحق أم لا؟ فعيق اليهود يوم السبت واختاروه، وقالوا: هذا يوم فراغ وقطع عمل، فإن اللَّه سبحانه فرغ فيه عن شغل الخلق، فعلى الخلق أيضًا أن يفرغوا عن الشواغل والصنائع ويتركوا أعمال الدنيا، ويشتغلوا بعبادة الرب تعالى، وعيّن النصارى يوم الأحد واختاروه؛ لأن الرب تعالى ابتدأ فيه الخلق، فهذا اليوم مبدأ جميع الكمالات والنعم، فهو أحق بالتعظيم وشكرًا للنعمة وإيجاب العبادة فيه، ولكن كل واحد من الفريقين أخطأ ولم يصب ما عند اللَّه الحكم.
وقوله:(فهدانا اللَّه له) حملوه أيضًا على الوجهين، فالأول أن اللَّه أمر هذه الأمة