وقد أشار الحافظ ابن كثير إلى أن كل سورة تفتتح بمثل هذه الحروف ففيها الانتصار للقرآن وبيان أحقيته، مما يدل على أن المقصود بها لفت النظر إلى اختصاصه بالإعجاز، مع أنه مركب من جنس هذه الحروف التي تفتتح بها السور، ومن طرائفه في ذلك أنه نقل عن بعضهم: أن مجموع حروف الفواتح في القرآن أربعة عشر حرفًا يجمعها قولك: (نص حكيم قاطع له سر)، ولا شك أنه استئناس طريف ولكن غير مقصود طبعًا.
وقد قيل في تأكيد هذا المعنى -وهو أن هذه الحروف في فواتح السور للإشارة إلى الإعجاز- أنك لو أمعنت النظر في حروف كل سورة من السور التي تفتتح بالحروف المقطعة، لوجدت حروف الافتتاح أكثر الحروف دورانًا فيها، وعلى هذا القول نستطيع أن نفهم حكمة اختلاف هذه الفواتح فهي أحيانا:{الَم} فقط، وأحيانا {المص} وأحيانًا {الَر} وأحيانا {المر} وتتضح لك بهذا حكمة زيادة الميم في فاتحة الرعد بخلاف ما قبلها وما بعدها. ونُقل عن ابن عباس أن الحكمة في زيادة الميم في هذه الفاتحة أن معنى الفواتح السابقة في {الَرَ} فقط: أنا الله أرى، وأما في هذه فمعناها: أنا الله أعلم وأرى بزيادة أعلم، على ما نقل عن ابن عباس في أن هذه الحروف أجزاء كلمات، والقول الأول أوضح وأبين.
ومما يعجبني في حكمة افتتاح السور بهذه الحروف ما أشار إليه الحافظ ابن كثير أن المراد التحدي بنفس هذه الحروف، وبيان ذلك أن المعلوم لدى قريش ومن جاورها -بل لدى كل من عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - واتصل به- أنه أميّ لم يقرأ ولم يكتب فحين يفجأ الناس باستفتاح كهذا في أول تلاوته للقرآن، فهو بلا شك سيسترعي التفاتهم لما يقرأ من جهة، وسيحملهم على التفكير في مصدر هذا العلم الجديد الذي طلع عليهم به من جهة أخرى، والتفكير سلم الهداية وأول خطوات الإيمان الصحيح، ثم نقول بعد هذا: والله أعلم بمراده بذلك، كما كان يقول سلفنا رضوان الله عليهم.