للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} إشارة إلى آيات القرآن الكريم وتأكيد لمعنى أحقيته ونزوله من عند الله تبارك وتعالى، وأنه لا شك فيه ولا مرية: إنه تبارك وتعالى لما أشار في سورة يوسف إلى القرآن الكريم وبيَّن أنه سيقص على نبيه فيه أحسن القصص، ثم ختم السورة بأن هذه القصص القرآنية عبرة لأولى الألباب وتصديق لما بين يديها من الكتب السماوية السابقة والشرائع الإلهية الماضية، وهي بعد ذلك كله تفصيل كل شيء ينفع الناس في دينهم ودنياهم، وهي كذلك هدى ورحمة لقوم يؤمنون بها ويصدقون، لما تقدم ذلك في فاتحة السورة وختامها، أكَّد ذلك المعنى في فاتحة هذه السورة فقال: تلك آيات الكتاب بخصائصها وروعتها وصفاتها النافعة الجليلة التي تقدمت، وهي حق من عند الله لا شك فيه ولا مرية.

{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} لما ذكر في الآية السابقة صفات هذه الآيات وأنها عبرة وتصديق وتفصيل وهداية ورحمة ختم ذلك بأن الذي يستفيد هذه الفوائد جميعًا إنما هم المؤمنون المصدقون، وقد ورد: أنه ما جلس أحد إلى القرآن إلا زاد أو نقص، فإن كان مؤمنًا زاد إيمانًا وهدى، وإن كان غير ذلك نقص: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)} [الإسراء: ٨٢].

لما ذكر ذلك قرر في هذه الآية ناموسًا اجتماعيًا، وهو أن أكثر الناس لا يؤمنون، وقد تكرر هذا المعنى كثيرًا في القرآن الكريم، وقلما تذكر الكثرة إلا ومعها الضلالة والإعراض، وقلما تذكر القلة إلا ومعها الهداية والنور والإنتاج. وتأملْ ذلك في قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣)} [يوسف: ١٠٣] , {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: ١١٦] , {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: ١٧] , {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة: ٢٤٣] {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: ٢٥] , إلى جانب قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣] ,

<<  <  ج: ص:  >  >>