هذا الإيمان الكريم وسلوك هذا المسلك القويم. وتأمل الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (٢٣)} [المعارج: ٢٣]. وتأمل دوران هذا المعنى في كثير من الآيات التي ورد فيها ذكر الإنسان.
وانظر كيف أن صوارف الحس ونوازع النفس وتعلق الروح بالمادة، لا تزال تحاول أن تصرف الإنسان عن إيمانه لأقل المناسبات حتى بعد أن تثبت العقيدة وترسخ، وانظر مصداق ذلك في الآية الكريمة: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَال إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١٣٨ - ١٣٩] , وإلى ما كان من بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حُنَين حينما مروا بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سبحان الله! ! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لَتركبن سَنَنَ من قبلكم". (رواه الترمذي عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه).
تأمل ذلك كله لتعلم صدق هذا الناموس الخالد:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} وليس معنى أنهم (لا يؤمنون) أن يكونوا جميعًا كفارًا ولا شك، بل يدخل في معنى الآية أن من الناس من لا يؤمنون ظاهرًا ولا باطنًا، وهم الكفار على اختلاف أنواعهم من وثنيين وكتابيين وملاحدة وزنادقة ... إلخ، ومنهم من يؤمن ظاهرًا ولا يؤمن قلبه كالمنافقين، ومنهم من يؤمن قلبًا ولا يؤمن عملًا كعصاة المسلمين، ومنهم من لا يتحقق بصفات أهل الإيمان الباطنة مع قيامه بأعمالهم الظاهرة فيكون ناقص الإيمان, ومنهم من يتردد بين الشك والإيمان وهكذا.
والحكمة في تقرير هذا الناموس في كتاب الله تبارك وتعالى أمور:
منها: تعزية المصلحين الذين يقضون الزمن الطويل في الجهاد العنيف والكفاح