للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموت والفناء، ومنها استبطاء العقوبة على التكذيب واستعجالها لتكون دليلًا على صدق المبلِّغ عن الله تبارك وتعالى في دعواه، ومنها اقتراح الآيات والمعجزات. فأما الشبهة الأولى فقد فصلتها الآية الكريمة وردتها في قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَال فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٥)} [الرعد: ٥] , وأما الشبهتان الباقيتان فقد أشير إليهما في الآيتين الكريمتين كما عرض لهما القرآن الكريم في سور كثير ماضية وتالية.

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} ويطلبون إليك أن يوقع الله بهم العذاب والعقوبة قبل النعمة والعافية، وهذا خُلُقٌ من أخلاق الجاحدين المعاندين في كل زمان ومكان استكبارًا في الأرض وتعاليًا بالباطل وبَطَرًا على الحق، ولقد حكى الله عن قوم هود عليه السلام في سورة الأعراف: {قَالوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠)} [الأعراف: ٧٠] , كما حكى عن قوم نوح في سورة هود عليه السلام: {قَالوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قَال إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [هود: ٣٣] , كما حكى ذلك عن كفار قريش في كثير من الآيات ففي سورة الأنفال: {وَإِذْ قَالوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢)} [الأنفال: ٣٢] , وفي سورة العنكبوت: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (٥٤)} [العنكبوت: ٥٤] , وفي سورة يونس: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨)} [يونس: ٤٨].

وهذا الخُلُقُ غريب حقًّا في الإنسان، فإن مقتضى العقل السليم الذي يتحلّى به هذا الجنس البشري أن يطلب الهداية والعافية بدلًا من العذاب والنقمة، وما أظرف رد هذا السبأي الذي خاطبه معاويةُ بقوله: ما أجهلَ قومك حين ملَّكوا عليهم امرأةً، فقال: أجهلُ من قومي قومُك حين قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، ولم يقولوا: فاهدنا له.

<<  <  ج: ص:  >  >>