للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل السر في ذلك أن الإنسان مفطور على نوع من التعالي والكبرياء يجعل قبوله للحق أمرًا شديدًا على نفسه لا يستطيعه إلا من ألهمه الله الرشد وهداه سواء السبيل.

وقد سبق في الجزء الأول من هذا التفسير إشارة لطيفة إلى هذا المعنى فقد جاء هنالك ما نصه: (إن كُلَّ قوة من قوى هذه الأرض وكُلَّ ناموس من نواميس الطبيعة فيها خُلِقَ خاضعًا للإنسان. وخُلِقَ الإنسان مستعدًا لتسخيره لمنفعته إلا قوة الإغراء بالشر وناموس الوسوسة بالإغواء الذي يجذب الإنسان دائمًا إلى شر طباع الحيوان ويعيقه عن بلوغ كماله الإنساني، فالظاهر من الآيات أن الإنسان لا يَغلب هذه القوة ولا يُخْضِعُها مهما ارتقى وكَمُلَ، وقُصارى ما يصل إليه الكاملون هو الحذرُ من دسائس الوسوسة، والسلامة من سوء عاقبتها بألا يكون لها سلطان على نفس الكامل تجعله مسخرًا لها وتستعمله بالشرور كما قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: ٦٥] , وقال عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)} [الأعراف: ٢٠١] , قال صاحب التفسير (١) -ثم زاد الأستاذ (٢) هنا قوله-: أما سلطان تلك القوة في الفناء، ؤقطع حركة الوجود إلى الصعود، فلا يستطيع إخضاعه لقدرته من البشر كامل ولا يقاوم نفوذه عامل، وإنما ذلك لله وحده وهذا حكمها في الكائنات إلى أن تبدل الأرض غير الأرض والسماوات). أهـ.

والمراد بهذا الكلام -كما ترى-: بيان قوة الشر ونزعاته ووضوح أثرها في الوجود وسهولة انجذاب النفوس إليها وسرعة التصاقها بها, وليس المراد استحالة التخلص منها، فإن من عصمه الله تبارك وتعالى وحفظه ويسَّره لمغالبة الشرور وأعانه على مقاومة النزعات الفاسدة والوساوس المضلة كان منها بمنجاة -ولا شك- كما تشير إليه الآية الكريمة.


(١) المقصود بصاحب التفسير هو الأستاذ/ رشيد رضا.
(٢) المقصود بالأستاذ هو الإِمام/ محمد عبده.

<<  <  ج: ص:  >  >>