للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكتب إلى المهلّب: أمّا بعد، فإنّ الذي عرفناه من طاعتك ونصيحتك وبلائك في الإسلام قد جعلت لك اللسان وأمددناك باللسان، وجعلناك قائد الحرب، فاجر على ما أنت فيه ولا تكن في أمرك زينونة ولا منتوفة، فإن خفت من أصحاب ضعفا أو قلّة، أمددناك [حتّى] تقوّي به ضعفهم.

والخراج والأموال قبلك فاعمل فيه برأيك، فإنّا قد بسطنا لك الذراع، ولم نقبل عليك. وكاتب أمير المؤمنين فيما بدا لك، فإنّك ليس عليك أمير دون أمير المؤمنين، والسلام.

فلمّا قدم الرسول بكتاب عبد الملك إلى الحجّاج، كتب إلى المهلّب: أمّا بعد، فإنّي كنت أظنّك أشدّ تعظيما لسلطانك [٣٢٤ أ] ومعرفة لحقّه من أن تجيبه بما أجبتني به في كتابك إليّ. فالله يغفر لك، والسلام.

فكتب إليه المهلّب: أمّا بعد، فما أحد من أهل رعيّتك أشدّ تعظيما لحقّك وطاعتك منّي. ولكنّك شتمتني وعجّلت واتّهمت طاعتي ونصيحتي، وأنا المبتذل نفسي وولدي وقومي في جهاد عدوّ أمير المؤمنين، وكانوا قد فضحوا من الناس وقتلوا من قد عرفت في غير موطن، وليس صاحب الحرب بالمتروّي ولا المتسرّع، والسلام.

وكان الحجّاج قد خرج من عامه إلى البصرة، واستخلف على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة.

فلمّا قدم البصرة خطبهم بمثل خطبته بالكوفة، وتوعّد من رآه منهم بعد ثالثة ولم يلحق بالمهلّب.

فأتاه شريك- ويقال زياد- بن عمرو اليشكري، وكان به فتق، وكان أعور يضع على عينه قطنة، فلقّب «ذا الكرسفة»، فقال: أصلح الله الأمير، إنّ بي فتقا، وقد رآه بشر بن مروان فعذرني. وهذا عطائي مردود في بيت المال.

فقال الحجّاج [الرجز]:

إنّ عليها سابقا عشنزرا ... إذا ونين ونية تغشمرا (١)

ثم قال: اضرب عنقه! لا اسم لكم حتّى تسمّوا لي أنفسكم!

فطار الناس على كلّ صعب وذلول. فلم يبق بالبصرة واحد من عسكر المهلّب إلّا لحق به.

وقال ابن همّام [الطويل] (٢):

لقد ضرب الحجّاج بالسيف ضربة ... تقرقر منها بطن كلّ عريف

ثمّ سار الحجّاج حتى بقي بينه وبين المهلّب ثمانية عشر فرسخا ليشدّ ظهره. وأقام بمكانه، وقال: يا أهل المصرين، هذا المكان والله مكانكم شهرا بعد شهر، وسنة بعد سنة، حتى يهلك الله عدوّكم، هؤلاء الخوارج المطلّين عليكم.

[[ثورة أهل البصرة به مع ابن الجارود]]

وخطبهم ذات يوم فقال: إنّ الزيادة التي زادكم ابن الزبير إنّما هي زيادة ملحد فاسق منافق، وليس نجيزها- وكان مصعب بن الزبير قد زاد الناسفي العطاء مائة.

فقال عبد الله بن الجارود: إنّها ليست زيادة ابن الزبير، إنّما هي زيادة أمير المؤمنين عبد الملك قد أنفذها وأجازها على يد أخيه بشر.

فقال له الحجّاج: ما أنت والكلام؟ لتحسننّ حمل رأسك وإلّا سلبتك إيّاه.

فقال: ولم؟ إنّي لك ناصح. وإنّ هذا القول في ورائي.

فنزل الحجّاج وأقام أشهرا لا يذكر الزيادة. ثمّ أعاد القول فيها فردّ عليه ابن الجارود مثل ردّه


(١) العشنزر: القويّ الشديد. وتغشمر: تسلّط وتغلّب.
وانظر الكامل في الأدب ١١٢٤.
(٢) لا يوجد في ديوان ابن همّام السلولي (مجلّة العرب ١٩٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>