للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فبعث المكتفي بالله الحسين بن حمدان في جماعة من القوّاد لمحاربته. فقدم دمشق والقرمطيّ بطبريّة. فلمّا علم بالحسين سار نحو السماوة فتبعه الحسين، وصار القرمطيّ يغوّر (١) المياه التي يرحل عنها. فعاد الحسين عنه على الرحبة، ووافى القرمطيّ هيت لتسع بقين من شعبان فنهب وقتل. فبعث المكتفي إليه محمّد بن إسحاق بن كنداج على جيش كثيف. ثم أتبعه بمؤنس. وكتب إلى الحسين بن حمدان بالنفوذ إليهم من الرحبة.

فلمّا أحسّ أصحاب القرمطيّ بذلك ائتمروا به، وقتله شخص من أتباعه يقال له الذئب بن القائم، وشخص إلى بغداد متقرّبا بذلك، فأكرم وأجيز، وكفّ عن طلب قومه.

فاختلف رأي القرامطة بعد ذلك وتقاتلوا وافترقوا. ولم يزل الحسين يبعث في طلب الثوّار إلى أن كانت خلافة المقتدر، [٤٩٠ أ] واجتمع القوّاد في سنة ستّ وتسعين ومائتين على خلعه وولاية عبد الله بن المعتزّ، وكان القائم في ذلك الوزير العبّاس بن الحسن ومحمد بن الجرّاح (٢) وغيره، ومن القوّاد الحسين بن حمدان في آخرين. ثمّ إن الوزير بدا له، فوثبوا وقتلوه، وتولّى قتله الحسين وبدر [الأعجمي] ووصيف [بن صوارتكين] وقتلوا معه فاتكا (٣)

[المعتضدي]. وخلع المقتدر الحادي والعشرين من ربيع الأوّل، وبويع ابن المعتزّ. وركض الحسين إلى المقتدر ليقتله ففاته، وعاد ولمّا أصبح بكّر إلى دار الخلافة فقاتله الخدم والغلمان والرجّالة من وراء السور عامّة النهار. فانصرف عنهم آخر النهار. فلمّا جنّه الليل سار عن بغداد بأهله وماله وأتباعه إلى الموصل، لا يدرى لم فعل ذلك؟ فأصبح الناس وقد فرّق المقتدر السلاح على من معه، وخرجوا، فهرب أصحاب ابن المعتزّ من قبل أن يصلوا إليهم. وقال بعضهم لبعض: إنّ الحسين بن حمدان عرف ما يجري (٤) فلهذا هرب من الليل، وهذه مواطأة بينه وبين المقتدر، وهذا كان سبب هربه. وانحلّ أمر ابن المعتزّ، وعاد المقتدر إلى الخلافة وبعث العساكر من بغداد في طلب الحسين بن حمدان فتبعوه إلى الموصل فلم يظفروا به وعادوا. ثمّ خرج القاسم بن سيما وجماعة من القوّاد في طلبه فلم يظفروا به. فكتب المقتدر إلى أبي الهيجاء عبد الله بن [٣٨٥ ب] حمدان أمير الموصل يأمره بطلب أخيه الحسين، فسار هو والقاسم بن سيما، فالتقوا عند تكريت، فانهزم الحسين وبعث أخاه إبراهيم يطلب له الأمان، فأجيب إلى ذلك. ودخل بغداد وخلع عليه وعقد له على قم وقاشان، فسار إليها (٥).

ثمّ خرج عن طاعة المقتدر في سنة ثلاث وثلاثمائة وجمع نحو عشرة آلاف. وسبب ذلك أنّ الوزير عليّ بن عيسى [بن الجرّاح] طالبه بمال عليه من ديار ربيعة، وهو يتولّاها. فدافعه فأمره


-
وعمّي الذي أردى الوزير وفاتكا ... وما الفارس الفتّاك إلّا المجاهر
... وسار إلى دار الخلافة عنوة ... فحرّقها، والجيش بالدار دائر
(١) غوّر الماء: أراقه حتى تشربه الأرض. وانظر استعراض هذه الحوادث في الاتعاظ ١/ ١٧٥ وعند الطبري ١٠/ ١٢٢.
(٢) الوزير العبّاس بن الحسن بن داود الجرجرائيّ، ومحمد بن داود بن الجرّاح تحالفا مع الحسين بن حمدان على خلع المقتدر وتولية عبد الله بن المعتزّ، انظر رسالة ماريوس كانار عن الأسرة الحمدانيّة ص ٣٢٤. والكامل تحت سنة ٢٩٦.
(٣) افتخر أبو فراس الحمدانيّ بهذه الفعلة في قصيدته الرائيّة المعروفة فقال [الطويل]:
(٤) في المخطوط: ما يريد يجري.
(٥) كانار: الأسرة الحمدانيّة، ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>