للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وخدمت آباءك، ولي عليكم حقوق كبيرة مثلها ما رعي و [لا] روعي، وقد قام في نفسي أنّك تريد قتلي، فأنا مجتهد في دفعك بغاية ما يمكنني، وما بك حاجة إلى حضوري قصرك. فإن كان باطن رأيك مثل ظاهره فدعني على جملتي فإنّه لا ضرر عليك من تأخّري. وإن كنت تريد بي سوءا فلأن تقتلني في داري، وأنا بين أهلي وأولادي، أولى من أن تقتلني في قصرك وتطرحني للكلاب تأكل لحمي.

فضحك الحاكم وأمسك عنه. واتّفق أنّ الحاكم توحّش ما بينه وبين أخته السيّدة العزيزيّة سيّدة الملك (١). فراسلته حتّى اجتمعت به واتّفقا على قتل الحاكم، وإقامة ابنه في الخلافة موضعه، وأن يكون ابن [٣٩٥ ب] دوّاس صاحب الجيش وشيخ الدولة القائم بها. ووقّعت له بولاية السيارتين (٢) وهي حماية مصر، وبخمسين ألف دينار إقطاعا، وعشرة آلاف دينار صلة، وعشرة أفراس بمراكب ذهب، ومائة قطعة ثيابا فاخرة، وسيف محلّى بذهب مرصّع بجوهر. وأحضرها عبدين فندبتهما لقتل الحاكم فقتلاه كما قد ذكر في ترجمتها (٣)،

وأحضراه إليه فحمله إلى سيّدة الملك فكتمت أمره. وبعثت إلى ابن دوّاس ثيابا كثيرة وبدرتين عينا، وقادت إليه خمسة أفراس بمراكب الذهب.

ثمّ استدعته بعد فقد الحاكم بخمسة أيّام، وأمرته أن يركب في اليوم السابع من فقده ومعه كتامة إلى باب القصر. فركب في اليوم السابع ووقف بكتامة حتّى تعالى النهار. فاستدعته إلى مجلسها وقد أخرجت أبا الحسن علي ابن الحاكم وقالت له:

المعوّل في القيام بهذه الدولة عليك، وتدبيرها موكول إليك. وهذا الصبيّ ولده، وينبغي أن تنتهي في الخدمة إلى غاية وسعك وتبذل فيها كلّ ما عندك.

فقبّل الأرض وشكر ودعا ووعد بالإخلاص في الطاعة، وبلوغ ما في القدرة والاستطاعة. وخرج بالصبيّ إلى الناس وقد لقّب [٤٦٥ ب] «الظاهر لإعزاز دين الله». فكان أوّل من قبّل له الأرض ابن دوّاس، ومرّغ خدّيه على الأرض بين يديه. وفعل الناس كذلك بعده.

فزادت السيّدة ابن دوّاس في منزلته وجعلت مصادر التدبير على يده. فلمّا أحكمت ما أحكمته وأكّدت ما أكّدته، أحضرته وقالت له: قد علمت ما بيني وبينك من المواثيق والعهود. وأنا امرأة، وإنّما أريد الملك لهذا الصبيّ، وقد وفّق الله وأحسن المعونة، وأنت زعيم الدولة والمقدّم فيها. وقد رأيت أن أنجز وعدك وأردّ إليك أمر السيارتين مضافا إلى الشرطتين (٤)، وأجعل رأيك في الأموال والخزائن نافذا، ورأيك في التدبيرات معتمدا.

فقبّل الأرض. وشاع هذا الحديث، وركب


- واختفاء الحاكم كان لليلتين بقيتا من شوال سنة ٤١١ (الاتعاظ، ٢/ ١١٥).
(١) السيّدة العزيزيّة: مرّ هذا اللقب في ترجمة جعفر الكلبي الصقلّي رقم ١٠٨١. ولعلّه أحد لقبي بنت العزيز أخت الحاكم، واللقب الآخر هو ستّ الملك أو سيّدة الملك كما يقول بعد قليل وكما قال في الاتعاظ ١/ ٢٩٢ وزاد:
ولدت بالمغرب في ذي القعدة سنة ٣٥٩. فهذه التي تتواطأ مع ابن دوّاس على قتل الخليفة المجنون هي أخته.
وفي الاتعاظ ٢/ ١١٥ سمّاها: ستّ الكلّ سلطانة.
(٢) السيارتان: قال أيمن فؤاد السيّد في تحقيقه للقانون في ديوان الرسائل لابن الصيرفيّ، بيروت، ١٩٩٠، ص ٣٥ هـ. ٣ إنّهما تعنيان حماية الصعيد وحماية أسفل الأرض، ويسمّى صاحبهما متولّي الحرب.
(٣) ترجمة أخت الحاكم مفقودة، ونحن بعد لا نعرف اسمها.-
(٤) الشرطتان العليا والسفلى: شرطتا القاهرة ومدينة مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>