للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالإثم»، قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [الأنعام: ٥٦]. وأنت فما أردت الله بها، إنّما أردت أن يقال: قام فقال فضرب فصبر. وأهون عليّ بقائلها لو هممت! فاهتبلها ويلك إذ عفوت، وإيّاك وإيّاكم أيّها الناس وما أشبهها! فإنّ الموعظة علينا نزلت ومن عندنا انتشرت وعنّا أخذت وحملت». ثم عاد في خطبته.

وقدم عليه قوم من أهل الشام بعد هزيمة عبد الله بن عليّ، وفيهم الحرث بن عبد الرحمن الجرشيّ فقام عدّة منهم فتكلّموا. ثم قام الحرث فقال: يا أمير المؤمنين، لسنا وفد مباهاة، ولكن وفد توبة: ابتلينا بفتنة استنفزّت شريفنا واستخفّت حليمنا، فنحن بما قدّمنا معترفون، وممّا فرط منّا معتذرون. فإن تعاقبنا فبجرمنا، وإن تعف عنّا فبفضلك علينا. فاصفح يا أمير المؤمنين إذ ملكت وامنن إذ قدرت، وأحسن فطالما أحسنت!

فقال المنصور: «أنت خطيبهم».

وأمر بردّ قطائعه بالغوطة عليه.

ووجّه إسحاق الأزرق مولاه فأتاه بامرأتين وصفتا له، إحداهما من ولد خالد بن أسيد (١) والأخرى فاطمة بنت محمد بن (٢) عيسى بن طلحة بن عبيد الله. فجيء بهما، وقد خرج إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بالبصرة.

فقيل له: إنّ هاتين الجاريتين قد استوحشتا إذ لم ترهما.

فقال: والله لا كشفت ثوب امرأة حتى أدري أرأسي لإبراهيم أو رأس إبراهيم لي!

وبعث المنصور إلى جعفر بن محمد، الصادق، عليهما السلام فقال «إنّي أريد مشاورتك في أمر». فلمّا دخل عليه قال: إنّي تأنّيت أهل المدينة مرّة بعد أخرى، وثانية بعد أولى، ولا أراهم ينتهون ولا يرجعون. وقد رأيت أن أبعث إليهم من يعقر نخلهم ويغوّر عيونهم.

فسكت جعفر. فقال: ما لك لا تتكلّم؟

فقال: إن أذن لي أمير المؤمنين، تكلّمت.

فقال: قل.

قال: إنّ سليمان عليه السلام أعطي فشكر. وإنّ أيّوب عليه السلام ابتلي فصبر. وإنّ يوسف عليه السلام قدر فغفر. وقد وضعك الله في الشّطّة (١*) من بيت النبوّة، وفضّلك بالخلافة، وآتاك علما كاملا. فأنت حقيق بالعفو [٩١ ب] عن المسيء والصفح عن المجرم.

فسكن غضبه.

ودخل ابن شبرمة على المنصور فقال له المنصور: ألك حاجة؟

قال: نعم، بقاؤك يا أمير المؤمنين!

قال: ويحك! سلني قبل أن لا يمكنك تسألني!

فقال: يا أمير المؤمنين، والله ما أستقصر عمرك، ولا أخاف بخلك ولا أغتنم مالك. وإنّ سؤالك شرف، وعطاءك فخر. وما بامرئ يذلّ وجهه إليك شين ولا نقص. وعندي من فضل الله خير كثير.

ومات إسحاق بن مسلم من بثرة خرجت بظهره، فحضر المنصور جنازته وحمل سريره حتى وضعه، وصلّى عليه، وجلس عند قبره.

فقال له موسى بن كعب: يا أمير المؤمنين، تفعل


(١) خالد بن أسيد من الأعياص الأمويّين: المعارف، ٧٣ - الاشتقاق، ٥٢٩ - معجم بني أميّة، ٢٩ - نسب قريش، ١٨٧ - الإصابة ٢١٤٤.
(٢) في المخطوط بنت محمد بن محمد. والإصلاح من جمهرة ابن حزم، ٢١.
(١*) الشطة: الجانب.

<<  <  ج: ص:  >  >>