للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مسلم وما قاله هو له، فخاف أن يمضي أبو مسلم إلى خراسان، فكتب إليه: إنّي قد ولّيتك الشام ومصر. فهما أفضل من خراسان. ومنزلك بالشام أقرب إلى أمير المؤمنين، فمتى أحببت لقاءه لقيته.

وأنفذ الكتاب إليه مع يقطين أيضا. فلمّا قرأه قال: أهو يوليني الشام ومصر مكان خراسان، وخراسان لي؟

وعزم على إتيان خراسان. فنزل المنصور المدائن. وأخذ أبو مسلم طريق حلوان- سمّيت حلوان من أجل أنّ [ ... ] (١) - فقال المنصور:

ربّ أمر لله دون حلوان!

وأمر عمومته ومن حضر من بني هاشم أن يكتبوا إليه فيعظّموا عليه حقّ الطاعة، ويحذّروه سوء عواقب الغدر والتبديل والنكث، ويسألوه الرجوع، ويشيروا عليه به. وكتب إليه المنصور:

إنّي أردت مذاكرتك أشياء لم يحتملها الكتاب، فأقبل فإنّ مقامك قبلي يسير.

فلم يلتفت إلى الكتاب. فبعث إليه جرير بن يزيد البجليّ، وكان صديقا لأبي مسلم راجحا عنده. فلم يزل يمسح جوانبه ويرفق به ويعرّفه قبح ما ركب، وأنّ النعمة إنّما دامت عليه بالطاعة، وقال له: إنّ أمر القوم لم يبلغ بك ما تكره. وإنّما لك إن عصيتهم خراسان، وما تدري ما ينساق عليك من شيعتهم من أهل خراسان، ممّن ترى أنّه معك. وإن أطعتهم فخراسان وغيرها من البلاد لك فانصرف راجعا.

فانصرف راجعا وكان المنصور قد كتب إلى أبي مسلم كتابا لطيفا مع أبي حميد المروروذي وقال:

إن أجاب إلى الانصراف، وإلّا فقل له: يقول لك

أمير المؤمنين: نفيت من العبّاس! لئن مضيت ولم تلقني لأوكلت أمرك إلى أحد سواي ولو خضت إليك البحر الأخضر حتّى أموت أو أقتلك.

فلمّا قرأ الكتاب عزم على المضيّ لوجهه.

فأدّى إليه أبو حميد الرسالة فكسرته وعزم على الانصراف إلى المنصور. وخلّف ثقله بحلوان، وعليه مالك بن الهيثم، وقال: «لئن أمكنني قتله لأقتلنّه ثمّ لأبايعنّ لمن أحببت! » وتمثّل بعض من معه [الكامل]:

ما للرجال مع القضاء محالة ... ذهب القضاء بحيلة الأقوام

[٩٤ أ] فلمّا قدم أبو مسلم على المنصور وهو بالروميّة التي عند المدائن، أمر الناس بتلقّيه، وقام إليه وعانقه وأكرمه وقال: كنت تمضي قبل أن نلتقي فألقي إليك ما أريد!

وأمره أن ينصرف إلى منزله فيستريح ويدخل الحمّام ليذهب عنه كلال السفر ثم يعود. وجعل يزيده إعظاما وبرّا وهو ينتظر الفرصة فيه حتّى قتله.

وذكر أنّ أبا مسلم لمّا أراد الشّخوص إلى خراسان عاصيا كتب إلى المنصور (١*): من عبد الرحمن بن مسلم إلى عبد الله بن محمد. أمّا بعد، فإنّي اتّخذت أخاك إماما، وكان في قرابته برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومحلّه من العلم على ما كان، ثمّ استخفّ بالقرآن وحرّفه طمعا في قليل من الدنيا قد نعاه الله لأهله (٢*)، ومثّلت له ضلاله على صورة العدل فأمرني أن أجرّد السيف وآخذ بالظنّة ولا أقبل معذرة، وأن أسقم البريء وأبرئ السقيم وآثر أهل الدين في دينهم (٣*)، فأوطأني في غيركم


(١) هذه حاشية في الهامش مبتورة، ولعلّه كان ينوي أن ينسبها إلى حلوان بن عمران كما عند ياقوت.
(١*) الرسالة في تاريخ الطبري ٧/ ٤٨٣ (أحداث سنة ١٣٧) مع اختلاف كبير. وفي الكامل ٥/ ٤٧٠.
(٢*) في الكامل: إلى خلقه.
(٣*) هذه الفقرات الثلاث مفقودة من الطبريّ ومن الكامل، -

<<  <  ج: ص:  >  >>