يعجّل الذنب لما يشتهي ... ويأمل التوبة من قابل
والموت يأتي أهله بغتة ... ماذا بفعل الحازم العاقل؟
*** ودخل بشر المريسي يوما على المأمون فقال:
يا أمير المؤمنين، إنّ ههنا شاعرا يهجو ويقول الشعر فيما أحدثناه من أمر القرآن، فأحبّ أن تجدّد له عقوبة.
فقال: أما إنّه إن كان شاعرا فلست أقدم عليه، وإن كان فقيها أقدمت عليه.
قال: يا أمير المؤمنين، إنّه يدّعي الشعر وليس بشاعر.
فقال: إنّه قد خطر على فؤادي في هذه الليلة أبيات، فأنا أكتب بها إليه، فإن لم يجبني أقدمت عليه.
فكتب [المنسرح]:
قد قال مأموننا وسيّدنا ... قولا له في الكتاب تصديق
أنّ عليّا أبا حسن ... أفضل من أرقلت به النوق
بعد نبيّ الهدى وإنّ لنا ... أعمالنا والقرآن مخلوق
فكتب الشاعر الجواب [البسيط]:
يا أيّها الناس لا قول ولا عمل ... لمن يقول: كلام الله مخلوق
ما قال ذاك أبو بكر ولا عمر ... ولا النبيّ ولم يذكره صدّيق
ولم يقل ذاك إلّا كلّ مبتدع ... على الإله، وعبد الله زنديق
المقفى ج ٤* م ٧
عمدا أراد [بكم] إمحاق دينكم ... لأنّ دينهم والله ممحوق
أصحّ يا قوم عقلا من خليفتكم ... يمسي ويصبح في الأغلال موثوق
فلمّا وردت على المأمون قال لبشر: «يا عاضّ كذا من أمّه [ ... ] (١*) أليس زعمت أنّه ليس بشاعر؟ » وأغلظ له في القول.
*** ووقف المأمون في بعض أسفاره وهو قافل إلى طرسوس في قدمته التي مات فيها على شرف وقال [البسيط]:
حتى متى أنا في حطّ وترحال ... وطول سعي وإدبار وإقبال؟
ونازح الدار لا أنفكّ مغتربا ... عن الأحبّة ما يدرون ما حالي
بمشرق الأرض طورا، ثمّ مغربها ... لا يخطر الموت من حرص على بالي
[١٣٨ ب]
ولو قعدت أتاني الرزق في دعة ... إنّ القنوع الغنى لا كثرة المال
*** ووصفت للمأمون جارية بكلّ ما توصف امرأة من الكمال والجمال، فبعث في شرائها، فأتي بها وقت خروجه إلى بلاد الروم. فلمّا همّ ليلبس درعه خطرت بباله، فأمر فأخرجت إليه. فلمّا نظر إليها أعجب بها وأعجبت به. فقالت: ما هذا؟
قال: أريد الخروج إلى بلاد الروم.
قالت: قتلتني يا سيّدي.
وخددت دموعها على خدّها كنظام اللؤلؤ،
(١*) كلمة لم نفهمها.