للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم يزل على أجلّ رتبة إلى أن قدم السلطان الملك الصالح بن محمد من دمشق في نوبة الأمير بيبغا أروس القاسميّ نائب حلب. وعمل الوزير المهمّ العظيم (١) في يوم الخميس سابع عشرين شوّال سنة ثلاث وخمسين [وسبعمائة] ومدّ للسلطان سماطا بالغ في الاحتفال به. فخلع عليه وعلى جميع أرباب الوظائف من الأمراء والمباشرين بعد العصر.

فاتّفق أنّه لمّا فرّقت التشاريف (٢) التي تخلع على الأمراء غلط الذي أخذ تشريف الأمير صرغتمش رأس نوبة ودخل به إلى الأمير بلبان السناني أستادار (٣) ودخل بتشريف بلبان لصرغتمش. [١٧٧ أ] فعند ما رآه صرغتمش ظنّ أنّ ابن زنبور تعمّد ذلك احتقارا له، وكان في نفسه منه كوامن، فاشتدّ غضبه، وقام من فوره، وخرج من داره بالقلعة وعبر إلى بيت الأمير شيخو العمري وألقى التشريف قدّامه وقال: انظر فعل الوزير معي!

فقال له شيخو: هذا قد حصل فيه غلط من الذي حمله إليك.

فلم يعجبه منه ذلك وتزايد غضبه، وخرج وبه من الغضب شبه الجنون وهو يقول: هذا شغل الوزير، وأنا ما أرضى بالهوان. والله لا بدّ لي من القبض عليه، ومهما شئت فافعل بي!

فلسوء المقدور صادف الوزير داخلا إلى الأمير

شيخو، وعليه تشريفه، فصاح في مماليكه:

خذوه!

فنزعوا عنه في الحال التشريف وجرّوه إلى بيت أستاذهم الأمير صرغتمش فسجنه في مكان مظلم من بيته. وسجن ابنه رزق الله في موضع آخر.

وكان [صرغتمش] قبل أن يدخل على الأمير شيخو رتّب عدّة من مماليكه على باب خزانة الخاصّ (١*) وعلى باب النحاس وعلى أبواب القلعة، وأوصاهم بالقبض على حواشي ابن زنبور وجميع الكتّاب. فقبضوا على الجميع، وطمعت الغلمان فيهم فسلبوا عدّة من الكتّاب ثيابهم، وحصّل الغلام الواحد ستّ عشرة دواة رهنا على [ما] وعدوه به فجباهم وع [و] دهم من الغد.

وعند ما قبض صرغتمش على ابن زنبور أرسل الأمير جرجي والأمير قشتمر في عدّة مماليك إلى دوره فأوقعوا الحوطة عليها وختموها. وختموا بيوت الزامه (٢*) وحريمهم وقت المغرب، وهم آمنون قد اجتمعوا في أفراحهم وتهانيهم. [١٧٧ ب] وكتب إلى الأعمال بالحوطة على أمواله مصرا وشاما.

وركب صرغتمش في يوم السبت، ومعه رزق الله ابن الوزير، إلى دورهم وأحضر أمّه وهدّدها.

فأخذ خمسة عشر ألف دينار ذهبا وخمسين ألف درهم فضّة، وصندوقا فيه ستّة آلاف دينار ومصاغ. ووجد في ثقله الذي قدم به من الشام ستّة آلاف دينار ومائة وخمسين ألف درهم فضّة، ومن الثياب والفرو ونحو ذلك ما يجلّ وصفه. ونقل ما في دور أزواج بناته. وطلب بناته فلم يقدر


(١) المهمّ: المأدبة الفاخرة.
(٢) التشريف: نوع من الخلع الفاخرة «وهو جبّة أطلس أسود بطراز مذهب وطوق من ذهب يجعل في عنق المنعم عليه» (صبح ٣/ ٢٧٢).
(٣) الأستادار: هو الذي يحكم في غلمان السلطان وفي باب داره والحاشية والمطابخ والشراب خاناه (صبح ٤/ ٢٠).
(١*) خزانة الخاصّ أو خزانة الكسوة، إليها يحمل ما يعمل بدار الطراز بتنيس ودمياط والإسكندرية، وفيها تفصّل الخلع والتّشاريف (صبح ٣/ ٤٧٢).
(٢*) في السلوك ٢/ ٨٧٨: أصهاره.

<<  <  ج: ص:  >  >>