للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مكّة. وبلغ عليّا ذلك فأرسل الخيل وراءه ففاتهم.

وكتب إليه: أمّا بعد فإنّي أشركتك في أمانتي، ولم يكن من أهل بيتي رجل أوثق في نفسي منك لمؤازرتي وأداء الأمانة. فلمّا رأيت الزمان على ابن عمّك قد كلب، والعدوّ عليه قد حرب، وأمانة الناس قد ذهبت، والأمّة قد افتتنت، قلبت لابن عمّك ظهر المحنّ ففارقته مع المفارقين، وخذلته أسوأ خذلان واختطفت ما قدرت عليه من مال الأمّة اختطاف الذئب الأزلّ [دامية المعزى] (١).

أما توقن بالمعاد؟ أما تخاف ربّ العباد؟ أما يكبر عليك أنّك تأكل الحرام، وتنكح وتشتري [٢٠٠ ب] الإماء بأموال الأرامل والأيتام؟ اردد إلى المسلمين أموالهم. وو الله لئن لم تفعل لا عذرت الله فيك! فإنّ الحسن والحسين لو فعلا ذلك لم يكن لهما عندي هوادة، والسلام.

فكتب إليه ابن عباس: حقّي في بيت المال أكثر ممّا أخذت.

فكتب إليه عليّ: العجب كلّ العجب من تزيين نفسك لك أنّك أخذت أقلّ ممّا تستحقّه! وهل أنت إلّا رجل من المسلمين ليست لك سابقة، وقد علمت سوابق أهل بدر، وما كانوا يأخذون غير ما فرض لهم. ويكفي أنّك اتّخذت مكّة وطنا، وضربت بها عطنا، تشتري من مولّدات الطائف ومكّة ما تقع عليه عينك وتميل إليه نفسك، وتبذل فيه مال غيرك، فكأنّك قد بلغت المدى، وعرض عليك عملك غدا بالمحلّ الأعلى، الذي يتمنّي المضيّع فيه التوبة الخلاص (٢)، «ولات حين مناص! » (ص، ٣).

فكتب إليه ابن عبّاس: لأن ألقى الله بكلّ ما

على ظهر الأرض وبما في بطنها أحبّ إليّ من أن ألقاه بدم مسلم.

فكتب إليه عليّ: إنّ الدماء التي أشرت إليها قد خضتها إلى ساقيك وبذلت في إراقتها جهدك، ووضعت بإباحتها خطّك، وتقشّعت عنها فتياك، والسلام.

وذكر البلاذري أنّ ابن عبّاس لمّا قدم مكّة ابتاع من عطاء بن جبير مولى بني كعب الخزاعي ثلاث مولّدات: حوراء، وفنون، وشادن، بثلاثة آلاف دينار.

وقد قال قوم: إنّ ابن عبّاس ما زال بالبصرة حتّى قتل أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه.

قال أبو زيد (١*): زعم أبو عبيدة- ولم أسمعه منه- أنّ ابن عبّاس لم يزل بالبصرة حتّى قتل عليّ، فشخص إلى الحسن بن عليّ يشهد الصلح بينه وبين معاوية، ثم رجع إلى البصرة فحمل ثقله ومالا من بيت المال وقال: هي أرزاقي. (قال أبو زيد: ) فذكرت ذلك لأبي الحسن فأنكره، وزعم أنّ عليّا قتل وابن عبّاس بمكّة، والذي شهد الصلح بين الحسن ومعاوية عبيد الله بن عبّاس (قلت) وهذا هو الصحيح كما ذكره المدائني وغيره.

[مناقب ابن عبّاس]

ولعبد الله [بن عبّاس] فضائل كثيرة. قال مالك عن الزهري (٢*) عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عبّاس قال: كنت في حجّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مراهقا للحلم.

وعن سفيان بن عيينة (٣*) عن عبيد الله بن أبي يزيد [٢٠١ أ] قال: سمعت ابن عبّاس يقول: أنا


(١) الزيادة من عيون الأخبار ١/ ٥٧ و ٢/ ٨٢. والأزلّ:
الخفيف الوركين، كناية عن الهزال.
(٢) العقد، ٤/ ٣٥٩.
(١*) أبو زيد الأنصاريّ النحويّ (ت ٢١٥) واسمه سعيد بن أوس- المعارف ٤٥٤ و ٥٩٤.
(٢*) الزهري (أبو بكر محمد بن مسلم) تابعيّ، يروي عنه مالك والسفيانان. له ترجمة في المقفّى رقم ٣٣١٤، (ت ١٢٤).
(٣*) سفيان بن عيينة (ت ١٩٨) المحدّث الكبير- المعارف ٥٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>