للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكثير من المؤرّخين [٢١٧ ب] في العبيديّين خلفاء الشيعة بالقيروان والقاهرة، من نفيهم عن أهل البيت والطعن في نسبهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، يعتمدون في ذلك على أحاديث لفّقت للمستضعفين من خلفاء بني العبّاس، تزلّفا لهم بالقدح فيمن ناصبهم، وتفنّنا في الشمات بعدوّهم حسب ما نذكر [من] بعض هذه الأحاديث في أخبارهم، ويغفلون عن التفطّن لشواهد الواقعات وأدلّة الأحوال التي اقتضت خلاف ذلك من تكذيب دعواهم والردّ عليهم. فإنّهم متّفقون في حديثهم عن مبدإ دولة الشيعة أنّ أبا عبد الله المحتسب لمّا دعا بكتامة للرضيّ من آل محمد صلّى الله عليه وسلّم واشتهر خبره وعلم تحويمه على عبيد الله المهديّ وابنه أبي القاسم، خشيا على أنفسهما فهربا من المشرق محلّ الخلافة واجتازا بمصر، وأنّهما خرجا من الإسكندريّة في زيّ التجّار، ونمى خبرهما إلى عيسى النوشريّ عامل مصر والإسكندريّة، فسرّح في طلبهما الخيالة، حتى إذا أدركا خفي حالهما على تابعهما بما لبّسوا به من الثياب (١) والزيّ فأقبلوا إلى المغرب، وأنّ المعتضد أوعز إلى الأغالبة أمراء إفريقية بالقيروان وبنى مدرار أمراء سجلماسة بأخذ الآفاق عليهما وإذكاء العيون في طلبهما، فعثر اليسع صاحب سجلماسة على خفيّ مكانهما ببلده واعتقلهما مرضاة للخليفة. هذا قبل أن تظهر الشيعة على الأغالبة بالقيروان. ثم كان بعد ذلك ما كان من ظهور دعوتهم بإفريقيّة والمغرب ثمّ بمصر والشام والحجاز، وقاسموا بني العبّاس في ممالك الإسلام وكادوا يلجون عليهم مواطنهم ويديلون (٢) من أمرهم. ولقد أظهر دعوتهم ببغداد وعراقها

الأمير البساسيري من موالي الديلم المتغلّبين على خلفاء بني العبّاس في مغاضبة جرت بينه وبين أمراء العجم، وخطب لهم على منابرها حولا كريتا (١*). وما زال بنو العبّاس يغصّون بمكانهم ودولتهم، وملوك بني أميّة وراء البحر ينادون بالويل والحرب منهم. وكيف يقع هذا كلّه لدعيّ في النسب مكذّب في انتحال الأمر؟ واعتبر حال القرمطيّ إذ كان دعيّا في انتسابه كيف تلاشت دعوته وتفرّق أتباعه فظهر سريعا على خبثهم ومكرهم فساءت عاقبتهم وذاقوا وبال أمرهم. ولو كان أمر العبيديّين كذلك لعرف، ولو بعد مهلة [الطويل]:

فمهما يكن عند امرئ من خليقة ... وإن [٢١٨ أ] خالها تخفى على الناس، تعلم (٢*)

فقد اتّصلت دولتهم نحوا من مائتين وسبعين سنة، وملكوا مقام إبراهيم عليه السلام ومصلّاه ومواطن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومدفنه، وموقف الحجيج ومهبط الملائكة، ثمّ انقرض أمرهم، وشيعتهم في ذلك كلّه على أتمّ ما كانوا عليه من الصاغية (٣*) إليهم والحبّ فيهم واعتقادهمبنسب الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق. ولقد خرجوا مرارا بعد ذهاب الدولة ودروس أثرها داعين إلى بدعتهم هاتفين بأسماء صبيان من أعقابهم يزعمون استحقاقهم للخلافة ويذهبون إلى تعيينهم بالوصيّة ممّن سلف قبلهم من الأئمّة. ولو ارتابوا في نسبهم


(١) في المقدّمة: من الشارة والزيّ.
(٢) في المقدّمة: ويزالون.
(١*) حولا كريتا: أي سنة كاملة العدد. وفي المقدّمة: حولا كاملا. وتغلّب البساسيري على بغداد وأمصار العراق من ذي القعدة ٤٥٠ إلى أواخر ٤٥١ (انظر دائرة المعارف الإسلامية، فصل: البساسيري).
(٢*) البيت من معلّقة زهير.
(٣*) صاغية الرجل: أنصاره وأقرباؤه. وفي المقدّمة، ٢٣:
من الطاعة لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>