للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلم تدعه حتى ذهب فقدم على معاوية فأمره ومن قدم معه أن يذهبوا إلى عمرو بن العاص فأتوه وقعدوا عنده. فسكت عمرو وسكتوا، حتّى همّ ابن عمر أن يقول له: الكبر منعك تتكلّم.

ثم تكلّم عمرو فافتخر، وذكر [٢٥٠ ب] شيئا عرّض فيه بالرّشوة، فغمز ابن الزبير عبد الله بن عمر. قال ابن عمر: فهممت أن أتكلّم، فقلت:

أأقطع كلامه؟ لا، ولكن أدعه. فلمّا فرغ قلت:

«إنّ العرب قد حمّلوك ما لا طاقة لك به، وإنّه لم يبق من أجلك إلّا كظمإ الحمار يشرب غدوة ويظمأ [سائر] النهار، فاتّق الله وردّ الحقّ إلى أهله».

وشئت أن أقول له الذي أردت أن أقول. ولأن أكون قلته أحبّ إليّ من أن أعطى كذا وكذا، غضبا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.

قالوا: ما أردت أن تقول؟

قال: أردت أن أقول: كذبت! بل أنت ابن النابغة (١) العبد الهجين!

وفي رواية، قال ابن عمر: لمّا اجتمع الحكمان دعا أبو موسى إليّ سرّا ولا أعلم، فقال: يا عمرو:

وهل لك إلى عبد الله بن عمر؟ رجل لم يضع يده في الفتنة، ثمّ هو من قد عرفت، فعسى أن يركب بالناس ما يعرفون. (قال) فإذا عمرو والله يريدني على الرشوة، وما أدري حتّى ضرب عبد الله بن الزبير على فخذي وقال: هل تدري ما يريد الرجل؟ والله إن يريد إلّا الرشوة! (قال) قلت: أنا أرشوه؟ والله لا أرشوه فيها ولا أرتشي! ما يسرّني أنّ لي بحظّي من جنّات عدن شيئا. ويحك يا عمرو، اتّق الله.

وقيل لابن عمر: لو أقمت للناس أمرهم، فإنّ

الناس قد رضوا بك كلّهم؟

قال: أفرأيتم إن خالف رجل بالمشرق؟

قالوا: يقتل. وما قتل رجل في صلاح هذه الأمّة؟

فقال: والله ما أحبّ أنّ أمّة محمد أخذت بعالية رمح وأخذت بزجّه بقتل رجل من المسلمين، ولي الدنيا وما فيها.

فلمّا تفرّق الحكمان عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعريّ خطب معاوية بن أبي سفيان فقال: من كان يريد أن يتكلّم في هذا الأمر فليطل وليقصّر، فنحن أحقّ بذلك منه ومن أبيه- يعرّض بابن عمر.

فقال حبيب بن مسلمة (١*) لابن عمر: فهلّا أجبته فداك أبي وأمّي؟

فقال ابن عمر: فحللت حبوتي فهممت أن أقول: أحقّ بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام. ثمّ خشيت أن أقول كلمة تفرّق بين الجميع ويسفك فيها الدم وأحمل فيها على غير رأيي. فكان ما وعد الله في الجنان أحبّ إليّ من ذلك كلّه.

فقال حبيب لابن عمر: فإنّك قد عصمت وحفظت ممّا خفت عرّته.

فلما اجتمع الناس على معاوية بايعه. فقيل لنافع: ما بال ابن عمر بايع معاوية ولم يبايع عليّا؟

فقال: كان ابن عمر لا يعطي يدا في فرقة ولا [٢٥١ أ] يمتنع من جماعة.

ولم يبايع معاوية حتى اجتمع الناس عليه. فلمّا


(١) في أسد الغابة ٣٩٦٥: وأمّه النابغة بنت حرملة، سبيّة بيعت بعكاظ.
(١*) حبيب بن مسلمة الفهريّ: من أصحاب معاوية. كان على ميسرته في صفّين (وقعة صفّين، ٢٣٣ - أسد الغابة ١٠٦٨) ت ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>