للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذه، وشاخ وأضرّ وثقل سمعه، فطلب الإعفاء من القضاء في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين. وحضر دار العدل يوم الاثنين عاشر جمادى الآخرة وكرّر السؤال في الإعفاء. فأجابه السلطان جوابا ليس فيه تصريح، ورسم له في المجلس أن يحكم بين الأمير بكتمر الحاجب وغرمائه، فحكم بينهم بالمدرسة الصالحيّة، وقال لمن حضره: هذا آخر الحكم!

ومضى إلى داره تجاه الجامع الجديد بمصر، فرتّب له السلطان من مال المتجر السلطانيّ مبلغ ألف درهم في كلّ شهر، وأمر بإحضار الجلال محمد القزويني ليلي القضاء. فلزم ابن جماعة داره إلى أن مات في ليلة الاثنين حادي عشرين جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، ودفن بالقرافة.

وكان قد كثر ماله وتعفّف عن أخذ المعلوم السلطانيّ على القضاء، وباشره أخيرا بغير معلوم.

وكان يخطب من إنشائه. وصنّف كتاب مناسك الحجّ، وكتاب علوم الحديث، وكتابا نحا فيه نحو السهيليّ في كتاب التعريف والإعلام (١) وزاد عليه، وكتابا في الكنائس وأحكامها.

وخرّج له أهل الحديث عوالي ومشيخات، وخرّج هو لنفسه أيضا أربعين حديثا تساعيّا (٢).

وكان عارفا بطرائق الصوفيّة، وقصد بالفتوى من الأقطار. وتفرّد في وقته برواية أشياء وتفرّد أيضا بالفتوى، وأقام زمانا يفتي.

وكان رئيسا متودّدا ليّن الأخلاق عفيفا عن الأموال، زاهدا فيما في أيدي الناس. وحجّ مرارا كثيرة، وانتفع الناس بعلمه وإحسانه.

وذكر [٤٦ ب] أنّ الشيخ محيي الدين يحيى

النوويّ رحمه الله وقف له على فتوى فاستحسن ما كتبه. ومرّ يوما بمصر فقال له الشيخ أبو الحسن الأوسيّ: اللهمّ أزل عن المسلمين من يكرهونه! - فقال: آمين! - ثمّ قال لمن معه: إنّه يقصدني، والناس معذورون [فإنّي] ثقلت عليهم لطول ولايتي المنصب، وغرضهم قاض جديد وحاشية جديدة.

ودخل عليه مرّة النصير الحمامي الشاعر يسأل صرف مرتّبه على الأوقاف، فامتنع من صرفه. فخرج عنه وأتاه بدرج ورق فيه مائة وصل وبأوّله [المجتث] (٣):

قاضي القضاة المفدّ ... ى صحب الأمور المطاعة

سألته عن أبيه ... فقال أنا ابن جماعة

فنظر إليه ثمّ أطرق ووصله بمال وثياب وتغاضى عنه. وهجاه الشهاب أحمد بن عبد الدائم الشارمساحيّ بقصيدة سينيّة قد ذكرتها في ترجمته (٤).

وكتب رسالة في معرفة العمل بالأسطرلاب، وقرأها عليه شخص بدمشق، فقال له: إذا جئت تقرأ في هذه فاكتمه فإنّ اليوم جاءني مغربيّ وقال:

رأيت اليوم واحدا يمشي وفي كمّه آلة الزندقة- يعني الأسطرلاب [ ... ] (٥).

ومن شعره [الكامل]:

يا لهف نفسي لو تدوم خطابتي ... بالجامع الأقصى وجامع جلّق

ما كان أهنأ عيشنا وألذّه ... فيها، وذاك طراز عمري لو بقي


(١) التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام للسهيلي (ت ٥٨١): كشف الظنون ١/ ٤٢١.
(٢) التساعيّات هي الأحاديث التي رواها تسعة رواة تباعا، وفي كشف الظنون ٤٠٣ ذكر لتساعيّات العزّ ابن جماعة.
(٣) النصير الحمّامي نصير بن أحمد المناوي: أعيان العصر ٥/ ٥٠٣.
قال: «كان يرتزق في مصر بضمان الحمّامات». والبيتان فيهما خلل. وفي الفوات ٤/ ٢٠٥ (٥٥١) أنّه توفّي سنة ٧١٢.
(٤) ترجمة الشارمساحيّ مرّت برقم ٤٦٥، ولكنّ القصيدة لم تنقل فيها. فهل يعني هذا أنّ ناسخ مخطوط السليميّة قد أسقطها؟
(٥) بعد هذا بياض بنحو سبعة أسطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>