فقلت: جئت أناظرك على النظر والخبر.
فقال: هات!
قلت: أشترط أن لا تحتدّ عليّ، ولا تقلق- وكان محمد رجلا قلقا حديدا.
فقال: أمّا أن لا أحتدّ، فلا أشترط ذلك، ولكن لا يضرّك ذاك عندي.
فناظرته. فلمّا ضاغطته، فكأنّه وجد من ذاك.
فقلت: هذا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وزيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عبّاس، واجتمع عليه الناس؟
فقال: وهل زدتني على أن جئتني بصبيّ وامرأة؟
فقلت: لو غيري جالسك!
وقمت عنه بالغضب. فرفع الخبر إلى هارون أمير المؤمنين فقال: قد علمت أنّ الله لا يدع هذه الأمّة حتى يبعث عليهم قرشيّا يردّ عليهم ما هم فيه من الضلالة.
ثمّ رجعت إلى بيتي، فقلت لغلامي: اشدد على رواحلك واجعل الليل جملا. (قال):
فقدمت مصر.
وعن عبد الرحمن بن محمد الحنفيّ قال:
سمعت أبي يقول: خرجنا من بغداد مع الشافعيّ يريد مصر، فدخلنا حرّان، وكان قد طال شعره، فدعا حجّاما فأخذ من شعره، فوهب له خمسيندينارا.
وهذا يدلّ على سلك طريق الشام.
وقال عبد الله بن محمد بن وهب: حدّثنا عبد الله بن محمد الفريابيّ قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعيّ ببيت [١٣٠ أ] المقدس يقول:
«سلوني عمّا شئتم أخبركم من كتاب الله وسنّة رسوله»، فقلت: إنّ هذا لجريء! - ما تقول، أصلحك الله، في المحرم يقتل الزنبور؟
فقال: نعم، باسم الله الرحمن الرحيم. قال الله عزّ وجلّ: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧]. وحدّثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير بن ربعيّ عن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر».- وحدّثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أمر المحرم بقتل الزنبور.
وهذا الخبر يؤيّد ما قبله من أنه مرّ على الشام إلى مصر، إلّا أنّه روي من وجه آخر أنّ هذا كان بمكّة.
قال البيهقيّ: حدّثنا أبو سعد أحمد بن محمد المالينيّ: حدّثنا أبو بكر الإسماعيليّ: حدّثنا عبيد الله بن وهب- يعني الدينوري- الفريابيّ، قال: سمعت الشافعيّ محمد بن إدريس بمكّة يقول: سلوني ما شئتم أجبكم من كتاب الله ومن سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(قال): فقلت [الخبر يعاد كما سبق].
وقال الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسن بن عساكر: لعلّه سئل عنها وأجاب مرّتين في الموضعين (١).
[[رحلته إلى بغداد]]
وقدم بغداد مرّتين. قال الزعفرانيّ: قدم علينا سنة خمس وتسعين ومائة، فأقام عندنا سنتين، ثمّ خرج إلى مكّة. ثمّ قدم سنة ثمان وتسعين فأقام عندنا شهورا ثمّ خرج. وكان يخضّب بالحنّاء وكان خفيف العارضين.
(١) في الموضعين: أيّ بيت المقدس ومكّة.