للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كتاب الجوهريّ، الصحاح في اللغة [عن محمد بن حمزة بن الغرق] عن أبي القاسم بن القطّاع. فسمع عليه في دار الوزير ابن الصاحب، وسمعه عليه أولاد أمير المؤمنين [الناصر] (١) وخلق كثير، فشهر الكتاب في بغداد ولم يكن شهيرا، وكتب به عدّة نسخ وشاع بالموصل.

وحدّث أيضا بكتاب السيرة لابن هشام.

ثمّ إنّه عاد إلى القاهرة وصار في ضنك من العيش، وغلبه دين كبير وعجز عن نفقته، إلى أن حبس بالجامع الأزهر على الدين. وكان ينتقص القاضي الفاضل ويراه بالعين الأولى ويحدّث الناس بأنّه كان من أقلّ أتباعه، والفاضل مقصر عنه، فيقصر الناس في حقّه مراعاة [٨٠ ب] ورياء للقاضي الفاضل. وكان بعض أصحاب الدين رجلا أعجميّا أحمق كثير الشرّ فصعد إليه بسطح الجامع الأعظم وسفه عليه وقبض على لحيته وضربه، ففرّ من بين يديه وألقى بنفسه من سطوح الجامع إلى سطوح دكاكين الورّاقين، وكانت يومئذ بجانب الجامع، فتهشّم. وحمل إلى داره فبقي أيّاما ومات ليلة السبت ثالث شهر ربيع الآخر سنة ستّ وتسعين وخمسمائة، ودفن بالقرافة.

فسيّر له القاضي الفاضل خمسة عشر دينارا لتجهيزه بها مع ولده، ولم يصلّ عليه ولا شيّع جنازته، فأنكر ذلك عليه. واتّفق أنّ الفاضل مات بعده فجأة بعد ثلاثة أيّام، وكان هذا أعجب من حال جرير والفرزدق، فإنّه كان بينهما ستّة أشهر، وكان بين هذين الرجلين ثلاثة أيّام، فليعتبر العقلاء بذلك.

وكان الأثير فاضلا جليلا نبيلا عالما أديبا بليغا، له شعر مليح وترسّل فائق، وتقدّم في الكتابة، ونال الرئاسة الخطيرة، وتمكّن التمكّن الكثير.

وصنّف كتاب تفسير القرآن الكريم، وكتاب المنظوم والمنثور. وقال أبو عبد الله محمد بن سعيد ابن الدبيثيّ عنه: شيخ فاضل جليل نبيل عالم أديب، كاتب بليغ، يقول الشعر الجيّد، وترسّل، له تقدّم ومكانة عند أهل بلده.

وقال المنذريّ عن أبي الحسن علي المقدسيّ:

سماعه صحيح إلّا أنّه كان يتشيّع.

قال فيه العماد الكاتب: له شعر كالسحر، ونثر كنظم الدرّ.

ومن شعره يصف مغارة في جبل [الطويل]:

وشاهقة خاضت حشا الجوّ مرتقى ... تشير إلى زهر الكواكب من عل

محاسنها شتّى ولكن أخصّها ... وآثرها ذكرى حبيب ومنزل

جداول تجري باللجين فتارة ... تسيح وأجداث تريني موئلي (٢)

وأنشد هبة الله ابن وزير الأثير ابن بنان ارتجالا، لمّا سمع منه هذا الشعر [المنسرح]:

مغارة أغارت النجوم على ... علوّها فوق مرتقى زحل

كأنّها في سموّها حسدت ... قدر الأثير الأجلّ في الدول

وقال الأسعد شرف الدين أبو المكارم بن المهذّب بن زكريّا بن أبي المليح المماتي، في الأثير ابن بنان [الرجز]:

الشيخ ذو بلاغة ... معدودة من حكمه

كأنّما خاطره ... على لسان قلمه


(١) الناصر العبّاسي خلف بغداد من ٥٧٥ إلى ٦٢١.
(٢) قراءة ظنّيّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>