للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عنده. واستمرّ الحال على هذا إلى العصر من الغد، فبعث السلطان إلى الأمراء يسألهم عن سبب ركوبهم للحرب على باب الإسطبل ويقول: إن كان لكم غرض في الملك، فما لي إليه تطلّع، خذوه [٩٤ ب] وأعطوني أيّ موضع شئتم أسير إليه!

فدخل إليه بيبرس الدوادار، وأيبك الخزندار، وبرلغي الأشرفيّ، فعتبهم طويلا على ما هو فيه، وعلى ما تجدّد من حركة الركوب، فاعتذروا إليه وقالوا: الأمراء قد تشوّشوا ممّن يحرّض عليهم عند السلطان. فأنكر أن يكون [أحد من مماليكه] نقل له عنهم شيئا، أو عنده علم بما أوجب الحركة. فعادوا إلى الأمراء بجوابه، وإذا بصيحة عظيمة، والعامّة قد ثارت يدا واحدة تحت القلعة، وحملوا بأجمعهم على الواقفين عند باب الإسطبل يريدون رجمهم، وهم يصرخون: يا ناصر يا منصور!

فبعث إليهم بيبرس وسلّار بالأمير بتخاص المنصوريّ في طائفة كبيرة ليبطش بهم، فعند ما أقبل عليهم تزايد صراخهم: يا ناصر يا منصور، الله يخون من يخون ابن قلاوون! - وحملوا عليه ورجموه بالحجارة. فجرّد هو ومن معه سيوفهم وحطّموا عليهم، يريدون إتلافهم. فتلاحق به الأمراء الذين على باب الإسطبل ومنعوه من ذلك، وألانوا الكلام مع العامّة وطيّبوا قلوبهم من جهة السلطان، وما زالوا بهم حتى رجعوا وعاد بتخاص إلى القلعة. وتردّدت الرسل بين السلطان والأمراء إلى أن تقرّر إخراج من عنده من الخاصّكيّة إليهم بعد جهد وامتناع من السلطان، وإفحاشهم عليه بأنّه إن لم يخرجهم وإلّا خرج إلى الكرك.

فسلّمهم إلى برلغي ليقيموا عنده عشرة

أيّام ويعيدهم إليه، بعد ما حلف له على ذلك.

فمضى بهم برلغي إلى بيبرس وسلّار: وهم بيبغا التركماني، وأيدمر المرقبيّ، وخاصّ ترك. فلمّا رآهم بيبرس أغلظ عليهم وهدّدهم بالقتل والحبس والعقوبة، وأمر بهم ليقيّدوا فقام برلغي وآقوش قتّال السبع ويعقوبا الشهرزوريّ ونحوهم من أكابر الأمراء قياما تامّا حتى أخرجوهم إلى القدس بغير قيود، ورتّب لهم ما يقوم بهم، فساروا على البريد.

ودخل بيبرس وسلّار وسائر الأمراء إلى السلطان فقبّلوا له الأرض ثم قبّلوا يده، وتعاتبوا عتابا لطيفا. وخلع على بيبرس وسلّار، واتّفقوا على ركوب السلطان إلى الجبل الأحمر وقبّة النصر خارج القاهرة لتطمين قلوب الرعيّة، وخرجوا.

فبات السلطان بشرّ ليلة، من كثرة قلقه لأسفه على مفارقة مماليكه، وقهره. ولم يتمالك نفسه إلى أن أصبح فركب بجميع العسكر إلى قبّة النصر. فرأى بكتمر الجوكندار وهو إلى جانب بيبرس الجاشنكير يحادثه، فشقّ عليه ذلك.

واستدعى بيبرس وسلّار [٩٥ أ] وبرلغي، وقال: يا أمراء، قد زال ما في نفسي منكم، غير أنّه ما كان سبب هذه الفتنة غير هذا- وأشار إلى بكتمر الجوكندار. فأخذوا في استعطاف خاطره عليه فعجزوا فيه، وحلف بالله: لا جلس على كرسيّ السلطنة أبدا ما دام بكتمر بمصر- وصمّم. فاتّفقوا على إخراجه إلى قلعة الصبيبة منفيّا. فعند ما عاد السلطان إلى قلعة الجبل، أخرج على البريد، وذلك في نصف المحرّم، وأقيم بدله أمير جندار بكتوت الفتّاح.

فبعث الأمير آقوش الأفرم نائب الشام ينكر على بيبرس وسلّار إخراج خاصّكيّة السلطان من عنده ويهدّدهما أنّه يحضر بنفسه حتى يعيدهم إلى


- هـ ٤): هو مكان بالطرف الجنوبيّ من القلعة. أمّا سمك فيسمّيه المقريزيّ في السلوك: سيف سمك أخو سلّار.

<<  <  ج: ص:  >  >>