للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على الأميرين وأمرهما بالانصراف. ودفع إليهما الكتاب وسلّمهما الهجن، وهي نحو الخمسمائة راحلة، سوى الجمال، فسارا ومعهما الأمراء إلى جهة مصر.

ثمّ استدعى نائب الكرك، وعرّفه ما كان فيه من الذلّة وقلّة الحرمة وضيق اليد. فتوجّع له وأطلعه على ما في قلعة الكرك من المال، وهو مبلغ سبعة وعشرين ألف دينار مصريّة، وألف ألف درهم وسبعمائة درهم فضّة، فتسلّمها منه. وأصبح فدعا سائر أهل الكرك وحلّفهم على الطاعة له [٩٦ أ] فحلفوا له. وأمرهم فنزلوا مع نائب الكرك بأجمعهم ليحمل كلّ منهم حجرا يصعد به إلى القلعة، فلم يبق صغير ولا كبير حتى خرج من المدينة ونزل إلى الوادي، وشرعوا في ضمّ الحجارة، وإذا هم برسول السلطان قد ورد على النائب بالسلام عليه، وأنّ السلطان يستحي منه أن يقف في خدمته، لكبر سنّه وما له من حقّ تربيته، وأنّه يخشى أن يتّهمك الأمراء بمصر بموافقتي فتصير عدوّا لهم. فابعث أحدا من جهتك يأخذ جميع ما لك من حريم ومال، وسر إلى مصر مكرّما، فإن كان لنا عمر كافأناك. وأمّا أهل الكرك فلا سبيل إلى مجاورتهم لي ولا إقامتهم معي في الكرك: فإنّي أعلم ما اتّفق لهم أيّام الملك السعيد بركة ابن الظاهر، وكيف صاروا عليه وباعوه بالمال مع طرنطاي. وقد أمرت بنزول حريمهم وأولادهم إليهم.

فلم يجد النائب بدّا من أخذ ماله. وقدّم غلاله للسلطان، وكانت كثيرة جدّا، فقبلها. وسار، فأخرج السلطان إلى أهل البلد حريمهم وأولادهم فتفرّقوا في الضياع. واستدعى عرب الشّوبك ليكونوا في خدمته بمواضع الصيد.

وكان حريمه قد خرج من القاهرة في سابع عشر شوّال، فبعث إلى عقبة أيلة فأحضرهم إليه، ومعهم الأمير جمال الدين خضر بن نوكاي، فسرّ بقدومهم سرورا كبيرا.

ورتّب بقلعة الكرك الأمير سيف الدين أيتمش المحمّدي، ومعه أخوه الحاج أقطاي، وأرغون الدوادار. فأقاموا بها. ونادى فيمن معه من المماليك وأرباب الوظائف والعلماء، يخيّرهم بين الإقامة معه والسفر إلى مصر، وأنّه لا يقيم معه إلا من قطع علاقته من مصر. فسافر جماعة وأقام عنده جماعة.

وقدم الأمراء إلى قلعة الجبل في ثاني عشرين شوّال، وأقيم الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير سلطانا ولقّب بالملك المظفّر، في يوم السبت ثالث عشرينه [سنة ٧٠٨].

فكانت مدّة سلطنة الناصر هذه عشر سنين وخمسة أشهر وسبعة عشر يوما.

وكتب له المظفّر بيبرس تقليدا بنيابة الكرك والشوبك، وأقطعه إمرة مائة فارس، وجهّزه إليه.

فأظهر البشر والفرح. وبعث إلى متولّي القلعة أن يعرّف الحرّاس بالدعاء في الصباح باسم السلطان الملك المظفّر ركن الدين بيبرس المنصوريّ. وأمر الخطيب فدعا باسمه في الخطبة يوم الجمعة. وخلع على البريديّ الذي أحضر التقليد وأنعم عليه وأعاده.

واستمرّ مقيما بالكرك، وأكثر من الركوب للصيد. فخشي المظفّر بيبرس منه، وأراد إضعاف جانبه [٩٦ ب] فكتب إليه يعلمه بأنّ خربندا ملك التتار قد تحرّك، وأنّ نائب حلب طلب تجريد العسكر إليه، وأنت تعلم أنّ الأجناد ضعفاء الحال، ويحتاجو [ن] إلى نفقات كثيرة. وأنت، فقد صحبت معك ما لا له صورة (١) ثمّ أخذت حاصل الكرك الذي هو مرصد لمصالح المسلمين.


(١) هكذا، ولعلّ المعنى: ما لا يوصف.

<<  <  ج: ص:  >  >>