وقال سعيد بن عبد العزيز: سأل هشام بن عبد الملك الزهريّ أن يملي على بعض ولده، فدعا بكاتب وأملى عليه أربعمائة حديث، ثمّ خرج، وقال: أين [١٢٩ أ] أنتم يا أصحاب الحديث؟ - فحدّثهم بتلك الأربعمائة حديث. ثمّ لقي هشاما بعد شهر أو نحوه، فقال له: إنّ ذلك الكتاب قد ضاع.
فقال: لا عليك.- فدعا بكاتب فأملاها عليه، ثمّ قابل هشام بالكتاب الأوّل فما غادر حرفا.
وقال معمر: ما رأيت مثل الزهريّ في الفنّ الذي هو فيه.
وقال أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر:
كنت أرى الزهريّ فلا يقرأ ولا يقرأ عليه، فيقال له: نروي هذا عنك؟ فيقول: نعم.
وروى الفريابي عن سفيان الثوريّ قال: أتيت الزهريّ فتثاقل عليّ، فقلت: لو أنّك أتيت أشياخنا فصنعوا بك هكذا؟
فقال: كما أنت! - ودخل فأخرج إليّ كتابا وقال: خذ هذا فاروه عنّي، فما رويت عنه حرفا.
وقال داود بن عبد الله بن أبي الكرام: سمعت مالكا يقول: كان ابن شهاب من أسخى الناس، فلمّا أصاب تلك الأموال قال له مولى له: قد رأيت ما مرّ عليك من الضيق، فأمسك مالك!
قال: ويحك! إنّي لم أر السخيّ تنفعه التجارب!
وقدم الزهريّ على عبد الملك بن مروان واستوطن دمشق، وكان يتردّد إلى الحجاز، وقدم مصر.
قال الليث عن ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب: لزمت ابن المسيب ثماني سنين حتّى توفّي. ثمّ بعثني عبد الملك بن مروان إلى عبد العزيز بمصر، فإذا عنده إبراهيم بن قارظ الزهريّ، فسمعني أحدّث عن ابن المسيّب، فقال لي: لا أراك تحدّث عن عروة شيئا؟
فقلت: أو صاحب ذلك هو؟
فقال: نعم.
(قال ابن شهاب): فلمّا قدمت المدينة لزمت عروة بعد ابن المسيّب، فإذا هو بحر لا تكدّره الدّلاء.
وعن سعيد بن عبد العزيز: أدّى هشام بن عبد الملك عن الزهريّ سبعة آلاف دينار، وكان يؤدّب ولده ويجالسه.
وعن الليث: ما رأيت أكرم من ابن شهاب، كان يعطي كلّ من جاء فإذا لم يبق معه شيء استسلف. وكان يسمر على العسل كما يسمر أهل الشراب على شرابهم، ويقول: اسقونا وحادثونا! - وكانت له جبّة معصفرة وعليه ملحفة معصفرة.
وعن ابن أبي ذيب قال: ضاقت حال الزهريّ، فخرج إلى الشام، فجالس قبيصة بن ذؤيب، فأرسل عبد الملك بن مروان إلى الحلقة: من منكم يحفظ القضاء عن عمر في أمّهات الأولاد؟
- قلت: أنا، [قال: قم]- فأدخلت عليه، فقال:
من أنت؟ - فانتسبت له، فقال: إن كان [١٢٩ ب] أبوك لنعّار في الفتن، اجلس! - فسأله مسائل، وقضى دينه.
وقال ابن أخي الزهريّ: جمع عمّي القرآن في ثمانين ليلة.
وروى إسحاق السبيعيّ أنّ نافع بن أبي نعيم عرض القرآن على الزهريّ.
وقال مالك عن الزهريّ: كنت أستقي لعبيد الله بن عبد الله، فيقول لجاريته: من بالباب؟ - فيقال: غلامك الأعمش.