للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يحيى بن المبارك- أبناء، كلّهم عالم شاعر كثير الرواية متّسع في العلم، منهم: محمد بن أبي محمّد، وإبراهيم، وإسماعيل، وأبو عبد الرحمن عبد الله، وأبو يعقوب إسحاق ابن أبي محمد اليزيديّ، وكلّهم قد روى وألّف في اللغة والعربيّة. وكان محمّد أسنّهم وأدّب المأمون مع أبيه. وذكر عن الأخفش: نا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن أبي محمد قال: أخبرني عمّي أبو إسحاق إبراهيم ابن أبي محمّد، قال: كان أخي محمد ابن أبي محمد يقرئ المأمون في كلّ يوم، فلمّا ثقل سمع أخي قال له المأمون: يا محمد، في قراءتي عليك مؤنة عليّ، لأنّي أحتاج أن أرفع صوتي بأكثر من طاقتي، فمر أخاك إبراهيم وابنك أحمد- وهو أبو جعفر- بأن يحضر كلّ واحد منهما في يوم لأقرأ عليه وتكون حاضرا، فإن شككت في شيء، سألت عنه. (قال): فقرأ عليّ في يوم نوبتي سورة مريم: قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) (١)، فقال يحيى بن أكثم: لا أحبّ لك يا أمير المؤمنين [٢١٦ أ] أن تقرأ هذه القراءة.

فقال له المأمون: ولم؟

قال: لأنّها تخالف المصحف.

(قال): فالتفت إليّ المأمون وقال: ما تقول يا إبراهيم؟

قلت: يا أمير المؤمنين، هذه قراءة قد قرأها غير واحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أوّلهم أبوك عبد الله بن عبّاس.

فالتفت إليّ أخي محمّد فقال: ما أنتم فيه يا إبراهيم؟ - فأخبرته، فقال للمأمون: ما ليحيى ولهذا؟ هذا حرف قد قرأ به جماعة من الصحابة

ومن التابعين، وكلّ ما في المصحف نقرأ به. والله يا أمير المؤمنين، لو لم يقرأ بهذا، إلّا أنّ الله عزّ وجلّ أخبرنا أنّ الملك أتاها فقال: إنّما أنا رسول ربّك ليهب الله لك- ليس لأهب أنا لك- لكان ينبغي أن نقرأ به.

فسكت يحيى وما تكلّم.

ومن قوله، أنشده دعبل [الوافر]:

أتظعن، والذي تهوى مقيم ... لعمرك إنّ ذا خطر عظيم

إذا ما كنت للحدثان عونا ... وللهموم فمن ذا تلوم؟ (٢)

شقيت به فما أنا عنه سال ... ولا هو إذ شقيت به رحيم

وذكر [محمد بن إسحاق] النديم عن أيّوب بن أبي شمير قال: خرجت أنا ومحمد بن أبي محمد اليزيديّ إلى متنزّه لنا بمرو، فبينا نحن نشرب إذ أقبل قنفذ يدبّ فتقمّم، فظنّناه جائعا، فقلت: لو سقيناه؟

فوضعنا بين يديه نبيذا فشرب [ف] قال محمد:

هل لك أن أقول فيه شعرا، ونغالط به سعيد بن سلم الباهليّ غدا إذا أنشدناه؟

قلت: شأنك.

فأنشأ يقول [الطويل]:

وطارق ليل جاءنا بعد هجعة ... من الليل، إلّا ما تحدّث سامر

قريناه صفو الزاد حين احتلاله ... وقد جاء خفّاق الحشا، وهو سادر

جميل المحيّا في الرضى فإذا أبى ... حمته من الضيم الرماح الشواجر


(١) مريم ١٩، والاختلاف في الفاء من فقال.
(٢) الوزن مختلّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>