للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليّ ابن الحاكم، فقدمها في المحرّم سنة أربع عشرة وأربعمائة.

فخافه حسّان بن مفرّج، وكانت له معه حروب كثيرة كان له في جميعها الظفر. فنمّى عليه حسّان وأغرى به الوزير حسن بن صالح الروذباريّ فتوغّر صدره عليه، وسعي به إلى أن قبض عليه بعسقلان في سنة سبع عشرة وأربعمائة. فقام في أمره الأستاذ سعيد السعداء صاحب القلم عند الظاهر، إلى أن أعاده إلى الخدمة، وردّ عليه إقطاعه وأمواله.

ولم يزل بالقاهرة إلى أن فسد أمر بلاد الشام بتغلّب العربان عليها. واقتضى الحال إخراج عسكر من القاهرة فعيّنه الوزير عليّ بن أحمد الجرجرائيّ [٢٢٤ ب] وأقامه على العسكر وكتب [٢٢٩ ب] له أمير الجيوش وأطلق له خمسة آلاف دينار وأصحبه صدقة ابن يوسف الفلاحيّ ناظرا في الأموال، وذلك في ذي القعدة سنة تسع عشرة وأربعمائة. وخرج في سبعة آلاف فارس سوى العرب والرجّالة. وركب الظاهر إلى وداعه.

وسار إلى الرملة ثم إلى القدس، وجمع العساكر، وحارب حسّان بن مفرّج وأوقع بصالح بن مرداس، فانهزم منه حسّان، وقتل صالح، واستباح عسكريهما. وبعث بذلك إلى المستنصر فأجيب بالثناء والشكر، وزيد في ألقابه: منتخب الدولة، سيف الإمامة، عدّة الخلافة، مصطفى الملك.

وسار بعد هذه الوقعة إلى حلب فحاربه صاحبها شبل الدولة صالح بن نصر بن مرداس على حماه.

فقتل في سنة تسع وعشرين، وحمل رأسه إلى القاهرة. وعاد الدزبري إلى دمشق، ثم سار عنها إلى حلب، وملكها. وقد كتب له المستنصر بمملكة حلب ملكا، فأحسن إلى أهلها. واستولى على بالس ومنبج. ثم عاد إلى دمشق. وكانت بينه وبين الروم في سنة ثلاثين وأربعمائة حروب ظفّره الله فيها ونصره. وبعث إلى الخليفة المستنصر بالله نزار ابن الظاهر بخبر ذلك. فأجيب بالثناء عليه والشكر منه وزيد في ألقابه: عدّة الإمام.

ولمّا عظم شأنه اطّرح الوزير الجرجرائيّ وقصّر به، فغضب من ذلك.

وظهر في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة بقلعة حلب نصف رأس زكريا النبي عليه السلام، في جرن من رخام مكتوب عليه اسمه، وهو باق بلحمه. وكان هذا الرأس ظهر في أرض طبريّة وحمل منها إلى حلب في أيّام سيف الدولة بن حمدان، وجرت بسببه حرب بين سيف الدولة وبين عساكر المصريّين غلب فيها سيف الدولة وحمله إلى حلب. فبنى عليه الدزبري ضريحا.

وسار إلى أرمناز (١) وجاهد الروم مرّة ثانية واستخلص منهم عدّة من المسلمين كانوا عندهم في الأسر. وعاد إلى حلب. ثم سار منها إلى دمشق في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وأقام بها وشرع في بناء الإمارة بها. فاتّصلت به أمور من جهة مصر، وأنّ الجرجرائيّ في التدبير عليه.

فاقتضى ذلك نفوره، وأعمل الحيلة في المسير إلى حلب. وأحسّ به العسكر فثاروا عليه وقاتلوه ونهبوا دار الإمارة بدمشق، فانهزم ليلا وخرج إلى حلب فوافاه بها كتاب المستنصر يتضمّن مخاطبته بغير ألقاب، ويقبّح عليه فعله، ويزري به ويعدّد مساوئه ويهدّد تهديدا كثيرا. فأجاب وهو يطلب العفو واعتذر عن مسيره إلى حلب. فلم يقم غير ليال قليلة ومات يوم الأحد رابع عشرين جمادى الأولى سنة ثلاث (٢) وثلاثين وأربعمائة. فدفن


(١) أرمناز: على خمسة أميال من حلب.
(٢) في الاتعاظ ٢/ ١٨٨: نصف جمادى الآخرة ٤٣٢. وفي-

<<  <  ج: ص:  >  >>