للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كبير لقتال أهل جبال كسروان. فبعث من جهة الساحل الأمير بيبرس طقصو وأيبك الحمويّ في فرقة، وسار بمن بقي. فالتقوا بالجبل وقد فتر عزم بيدرا عن قتالهم طمعا في مال رشي به، حتى أخذ أهل الجبال في الأوعار والمضايق جماعة من العسكر، ووقعت الكسرة واختلّ الحال. فاحتاج بيدرا إلى تطمين أكابر أهل الجبال، وخلع عليهم.

فتغيّرت قلوب الأمراء وأنكروا عليه. فعاد إلى دمشق. وخرج السلطان إلى لقائه وترجّل له عند السلام. ثم أنكر عليه إنكارا كبيرا. فخاف [بيدرا] عاقبة ذلك ومرض في أوائل شهر رمضان- وتحدّث الناس بأنّه قد سقي السمّ- فتصدّق بمال جزيل، وأخرج من في سجونه، وردّ غصوبا كثيرة إلى أربابها، وعمل مهمّا عظيما (١) في عاشره بجامع دمشق وقرئ القرآن الكريم به، وعاد مع السلطان إلى مصر.

فلمّا توجّه السلطان إلى بلاد الصعيد استخلفه على مصر بقلعة الجبل، وهو ضعيف. فانتهى السلطان إلى قوص، وكشف الوزير شمس الدين محمد بن السلعوس الوجه القبليّ فوجد الجهات التي في ديوان بيدرا من الإقطاعات والمشتراوات والحمايات (٢) أكثر من الجهات الجارية في ديوان الخاصّ السلطانيّ. ووجد الشّون [٣٢١ ب] السلطانيّة خالية من الغلّات وشون بيدرا مملوءة.

فعرّف السلطان ذلك وأغراه به حتى تغيّر عليه.

[كشف أحواله الماليّة]:

فبلغ الخبر بيدرا فجعل يتلافى ذلك، وجهّز تقدمة عظيمة، من جملتها خيمة حرير أطلس أحمر معدنيّ بأطناب إبريسم، وأعمدة صندل

محلّاة، ومفصّلة بفضّة مذهبة، وبسطها ببسط حرير، وأخرجها إلى ناحية العدويّة (٣)، ومعها بقيّة [٢٧٦ ب] التقدمة.

[[غضب الأشرف على بيدرا لاحتجانه مال السلطان]]

فلمّا عاد السلطان من بلاد الصعيد نزل بها، فلم يعبأ بها ولا بالتقدمة وطلع إلى القلعة، فارتجع للخاصّ بعض ما باسم بيدرا. ولمّا خرج السلطان ليتصيّد بالبحيرة قدّم الوزير شمس الدين محمد بن السلعوس إلى الإسكندريّة، فكتب إلى السلطان بأنّ نوّاب الأمير بيدرا استولوا على ما في الثغر من القماش وغيره وأنّه [لم] يجد ما يكفي من الإطلاقات (٤) من التعابي القماش الإسكندرانيّ.

فلمّا وقف السلطان على الكتاب استشاط غضبا واستدعى بيدرا وسبّه وبالغ في إهانته والإخراق به بحضرة الأمراء. فدارى الحال حتى خرج من المجلس وقد تميّز من الغيظ. فطلب الأمراء الذين يهوون (٥) هواه وحدّثهم بما نزل به من السلطان، وقد كانوا شاهدوا ما جرى، وأخبرهم أنّه يترقّب منه أن يقبض عليه. فأشاروا بمبادرة السلطان لئلّا يفعل فيه وفيهم كما فعل في سنقر الأشقر وجرمك وغيره.

[[اغتيال الأشرف وتسلطن بيدرا]]

فتحالفوا وتعاقدوا على قتله وركبوا مع بيدرا وقتلوا الأشرف كما قد ذكر في ترجمته (٦). وعادوا


(١) في المخطوط: مجتمعا، والإصلاح من السلوك ١/ ٧٧٩.
(٢) في السلوك ١/ ٧٨٢: ... وما اشتراه وما حماه.
(٣) العدويّة: بلدة خارج القاهرة قرب بركة الحبش؛ السلوك ١/ ٧٨٣ هامش ١.
(٤) الإطلاقات: شرحها ناشر السلوك: ١/ ٧٨٨ هامش ٤ بأنها الهبات التي يعطيها السلطان أو يقرّرها أو يزيد في قيمتها.
(٥) في المخطوط: يهون. وفي السلوك: ... ومن يوافقه.
(٦) ترجمة الأشرف خليل بن قلاوون رقم ١٣٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>