للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتعطّل أبو الفضل إلى أن شكاه ابنه أحمد إلى المعزّ في ربيع الآخر سنة خمس وستّين [وثلاثمائة]، فاستأذن له أبو إبراهيم إسماعيل بن موسى الحسني على المعزّ، فدخل عليه، وشكا ابنه وعقوقه [٣٨١ ب] فقبل قوله. وعاد فأقام متعطّلا عن العمل إلى أن كانت غرّة شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة [ف] ردّ الخليفة العزيز بالله أبو منصور نزار ابن المعزّ تدبير الأمور إليه، وأمر الكتّاب كلّهم أن يمتثلوا ما يأمرهم به، فركب جميعهم إليه وصاروا إلى داره.

فجلس بها [و] أمر ونهى، وتحدّث في الدواوين إلى نصف شعبان منها فاستعفى من ذلك، فتقدّم العزيز بإعفائه ومحاسبته فحوسب وألزم بمال من قبل الضياع التي حلّها وعقدها تخطيطه في الارتفاع. ثمّ خرّج عليه خراج ضياعه بالشام وضيّق عليه بسببه ولحقه منه عنت شديد.

وأحيل عليه في سنة أربع وثمانين أصحاب منصور الجوذريّ فشدّدوا عليه في المطالبة ومدّوا أيديهم إليه، ورموه عن مركوبه إلى الأرض، ففرّ منهم والتجأ إلى دار القائد أبي عبد الله الحسين بن البازيار، وقد انكسر إصبعه، وطلبوا [ا] بنه فوثبوا به. فقام في أمره القائد حتى سكتوا عنه. فلمّابلغ ذلك العزيز بالله أنكره.

وما زال ملازما داره حتى مات بها في يوم الأحد ثالث عشر ربيع الأوّل سنة اثنتين وتسعين (١) وثلاثمائة عن اثنتين وثمانين سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيّام، فجعلت في فيه ثلاث شعرات من شعر النبيّ صلّى الله عليه وسلم كان ابتاعها بمال عظيم، وكانت عنده في درج ذهب محتزمة الأطراف بالمسك،

فأوصى أن تجعل في فيه بعد موته [٣٠٠ أ]، ففعل ذلك. وصلّى عليه القاضي حسين بن [علي بن] النعمان في داره، ودفن بها، وحضر جنازته سائر قوّاد أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبي علي منصور ابن العزيز، وسائر أولياء الدولة وأكابر الناس.

قال المسبّحي (٢): وكان رحمه الله من الفضل والعلم والدين والتصرّف في سائر العلوم بمنزلة لم يشاهد مثلها، وحدّث وأسمع وأملى عدّة مجالس، وعمل مستخرجا على صحيحي البخاري ومسلم، وكان كثير البرّ والصّلات لآل رسول الله صلّى الله عليه وسلم كثير الصدقة شديد الغيرة على حرمه، مبالغا في الحجاب لهم، لما تمّ عليه من أولاده الكبار، وذلك أنّ فيهم من واقع أخته وأحبلها. فمنع أولاده الذكور من رؤية أمّهاتهم وأخواتهم.

حدّثت طرف المغنّية جارية ابنه أبي محمّد قال [ت]: كنت في منزلي بجواره بعد وفاة مولاي أبي محمّد أنا وابنتي وعدّة جوار يخدمنني.

فلمّا كان نصف الليل إذا بالخدم قد دخلوا عليّ وقالوا: سيّدنا يستدعيك.

فلبست ثيابي ونهضت معهم، فصرفت إليه أنا وابنتي وجوارينا، فإذا به في مجلس، فقبّلت يده أنا وابنتي، فأمر [نا] بالجلوس وباسطنا ثمّ قال: يا بنيّة، تحفظين صوتا [٣٨٢ أ] كان يغنّي في دارنا؟

فقلت: إن رأى سيّدنا أن يذكره، فعل.

فقال [الطويل]:

أهاجك بالبيداء رسم ومنزل ... أضرّ به طول البلى فهو محول


(١) في ترجمة الوفيات ١/ ٣٤٩: إحدى وتسعين، وكذلك في تاريخ بغداد رقم ٣٧٢٣. وإذا كان مولده سنة ٣٠٨ كما قيل في أوّل الترجمة، فعمره عند الوفاة ٨٤ سنة.
(٢) المسبّحي المؤرخ (٣٦٦ - ٤٢٠) محمد بن عبيد الله:
ألّف كتابا في تاريخ مصر. انظر ترجمته في المقفّى (رقم ٢٦٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>