للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دمشق، وذلك يوم الخميس لثمان خلون من ذي الحجّة.

فأقبل صبيح بطلائع عسكر جعفر بن فلاح ونزل خارج دمشق، فخرج الناس إليه مستعدّين للحرب في خيل [٣٨٤ أ] ورجل فاقتتلوا يومهم ذلك ثمّ انصرفوا.

وأصبحوا يوم الجمعة فاقتتلوا وصاح الناس في جامع دمشق بعد الصلاة: «النفير! »، فخرج النفير واشتدّ القتال إلى آخر النهار، ونزل جعفر يوم السبت لعشر خلون من ذي الحجّة يوم عيد الأضحى فقاتله الناس على الشمّاسيّة والقطيعة (١)، ولم يصلّ الناس يومئذ صلاة العيد.

وخرج ابن أبي يعلى، فلم يزل القتال إلى بعد العصر فكلّت الدماشقة، وحمل عليهم المغاربة، فانهزموا وركب المغاربة أقفيتهم وبذلوا فيهم السيف فقتلوا من ظفروا به. وقام بأمر البلد أبو إسحاق محمد بن عصودا وغلّق الأبواب وأوقف الرماة على شرفات السور، فرموا المغاربة بالنشّاب. ونزل العسكر أرض عاتكة (٢) وطرحوا النار فيما هنالك من الأبنية، فانهزم ابن أبي يعلى وانفلّ من كان معه فقتل خلق كثير. ودخل فرقة من المغاربة باب الجابية، فتكاثر الناس عليهم وأخرجوهم وأغلقوا الباب. فأحاط العسكر بالبلد من كلّ ناحية، ووقعت المضاربات وارتفع ضجيج الرجال والنساء والصبيان بالبكاء والنّفير، وظنّوا أنّ القوم يدخلون البلد بالسيف، وكان قد قرب غروب الشمس، فأمسك العسكر عن القتال.

وتقدّم رجل من العسكر وأشار إلى من فوق الأسوار وحدّثهم، فأمسكوا عن الرمي، وبات أهل دمشق ليلة الأحد في سدّ الأبواب وتضييق الدروب

وكسر القنا في الأسواق وحفر الخنادق، وعزموا على القتال وباتوا على خوف.

فلمّا أصبحوا خرج المشايخ إلى جعفر بن فلاح ليتحدّثوا معه في الصلح، فما هو إلّا أن ساروا عن البلد قليلا [حتّى] خرج عليهم فرسان من المغاربة [ف] أخذوا ما عليهم من الثياب وقتلوا منهم رجلين. فلمّا رأى من كان فوق المآذن والأسطحة ذلك صاحوا: «اضبطوا الأبواب، فقد شلّحوا المشايخ! » (٣)، فظنّ الناس أنّ العسكر يريد الركوب، ودخل المشايخ عريا، فارتاع أهل البلد واشتدّ خوفهم وتحيّروا. ثمّ جرت بينهم مراسلة فخرجوا إلى جعفر فرهب عليهم [٣٠١ ب] و [أ] وعد البلد بالنار والسيف، فعاجوا خائفين وجلين وبلّغوا أهل البلد ما أقلقهم فاشتدّ اضطرابهم، وعاد المشايخ ثانيا إلى جعفر فاشتدّ عليهم وأرعد وأبرق فسألوه العفو. فقال: ما أعفو عنكم حتى تخرجوا إليّ ومعكم النساء [٣٨٤ ب] فيتضرّعن ويكشفن شعورهنّ ويمرّغنّها في التراب بين يديّ (٤)!

فقالوا: نفعل ما يقول القائد.

ورجعوا إلى البلد وخرجوا إليه بما طلب من تضرّع النساء وكشفهنّ الشعور بين يديه، وهو مع ذلك يرهبهم، ثمّ باسطهم وقال: أريد [أن] أدخل يوم الجمعة للصلاة.

فانصرفوا عنه، وركب يوم الجمعة في عسكره ودخل البلد. فلمّا خرجوا من الجامع وضع جماعة من العسكر أيديهم في السوق ونهبوا. ثمّ أرادواأن


(١) لم يذكر ياقوت القطيعة بين قرى الغوطة.
(٢) أرض عاتكة: خارج باب الجابية بدمشق (ياقوت).
(٣) شلّحوهم: جرّدوهم من ثيابهم.
(٤) يأتي هنا في الهامش هذا التعليق، ولعلّه من خواطر حسن العطّار المعتادة: أخزاه الله ومن ولّاه تلك الولاية، بل أخزى دولة بني عبيد هذه، فلقد كانت شرّ دولة، حتى ألّف أكابر العلماء في قتالهم تآليف كثيرة، ولقد أراح الله العالم منهم على يد دولة الأكراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>