للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يدخلوا إلى الأزقّة، فثار بهم الناس وقتلوا كثيرا من الرجّالة، فاشتدّ جعفر على المشايخ ووعدهم بكلّ مكروه، وقال لهم: دخل رجال أمير المؤمنين إلى الصلاة فقتلتموهم! لأسوّينّ بهذا البلد الأرض!

فلطفوا به وداروه، فقال: أريد دية من قتل من رجال أمير المؤمنين.

فأذعنوا لذلك، وكان الذي يتولّى خطابه الشريف أبو القاسم أحمد بن الحسين العقيقي، و [ ... ] بن أبي هاشم. ودخلوا البلد وقسّطوا المال على الناس. وشرع العسكر في البناء فوق نهر يزيد عند الدكّة وعملوا مساكن وأسواقا حتى صارت تشبه المدينة، وبنوا قصرا عظيما شاهقا في الهواء (١)، غريب البنيان. فلمّا استقرّ في الدكّة طلب حمّال السلاح وضرب أعناق كثير منهم وصلب جثثهم وعلّق رءوسهم على أبواب المدينة، منها رأس إسحاق بن عصودا.

وبعث بأزرق إلى حمص وسلميّة، فخرج إليه أهل سلمية بكتاب عبيد الله المهديّ جدّ المعزّ لدين الله بترك الخراج لهم متى ملكهم. فبعث بذلك إلى جعفر فأمره بالوفاء لهم.

وقدم ابن عليان العدويّ وقد قبض على [ ... ] (٢) بن أبي يعلى العباسيّ لمّا انهزم من نحو تدمر، وهو يريد بغداد، فأمر به جعفر فشهّر في العسكر على جمل ثمّ حمله إلى القاهرة.

وأمّا محمّد بن عصودا فإنّه لمّا انهزم سار إلى الأحساء هو وظالم بن مرهوب العقيليّ، وحثّا القرامطة على المسير إلى الشام، فوافق ذلك منهم الغرض لأنّ الإخشيديّة كانت تحمل في كلّ سنة إلى القرامطة مالا، فلمّا أخذ جوهر مصر انقطع المال عن القرامطة، فأخذوا في الجهاز للمسير إلى الشام.

وجهّز جعفر غلامه فتوحا في عسكر إلى أنطاكية، وكانت بيد الروم، فسار في صفر سنة ستّين وطلب أهل أعمال فلسطين وطبريّة، وسيّر [٣٨٥ أ] عسكرا بعد عسكر إلى أنطاكية فنازلوها، وكان الوقت شتاء، إلى أن دخل الصيف، وهم يداومون القتال. وبعث سريّة فيها أربعة آلاف إلى إسكندرونة وعليهم عرائس، ومعهم ابن الزيّات (٣) أمير طرسوس، وكان عليها عسكر للروم. فظفروا في طريقهم بمائتي بغل تحمل علوفة لأهل أنطاكية فتقوّوا بها، وساروا إلى مرج إسكندرونة وفيه مضارب الروم الديباج، فتسرّع إليها رجالة تنهبها، فحمل عليهم الروم فانهزموا وأخذهم السيف، ونجا عرائس وابن الزيّات في طائفة ولحقوا بجعفر، وهلك كثير ممّن كان في السريّة.

فكثرت الأخبار بمسير القرامطة إلى الشام، وأنّهم نزلوا على الكوفة، وكتبوا إلى الخليفة ببغداد فأنفذ إليهم خزانة سلاح، وكتب لهم بأربعمائة ألف درهم على أبي تغلب عبد الله ابن ناصر الدولة ابن حمدان، من مال الرحبة (٤)، وأنّهم ساروا من الكوفة إلى الرحبة وأخذوا من ابن حمدان المبلغ.

فكتب جعفر إلى غلامه فتوح وهو على أنطاكية يأمره بالرحيل. فوافاه الكتاب مستهلّ شهر رمضان [سنة ٣٦٠]، فشرع في شدّ أحماله، ونظر الناس إليه فجفلوا ورموا خيمهم وأراقوا طعامهم.

وأخذوا في السير مجدّين إلى دمشق، فلمّا وافوا جعفرا أراد أن يقاتل بهم القرامطة، فلم يقفوا وطلب كلّ قوم موضعهم، ولم يبالوا بالموكّلين


(١) هذا قصر آخر غير الذي بناه بطبريّة على جسر الصنّبرة.
(٢) بياض مكان الاسم، وهو إسماعيل، أبو القاسم.
(٣) أبو بكر ابن الزيّات في تاريخ ابن القلانسيّ ١٢، ولا نعرف عرائس.
(٤) أبو تغلب [الغضنفر] بن حمدان كان أميرا على الجزيرة، والرحبة هي رحبة مالك بن طوق على الفرات تحت قرقيسيا، بين الرقّة وبغداد [ياقوت]. وانظر: ماريوس كانار: تاريخ الحمدانيّين ص ٩٦ وهامش ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>