للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حنيفة وأحمد وطائفة من أصحاب مالك والشافعي.

والثاني: لا تَصِلُ، وهو المشهور عند أصحاب مالك والشافعي، وقد ثبتَ في الصحيح (١) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أمي نَذرتْ صيامَ شهرٍ، فقال: "صُومِي عن أمك".

فهذه الأحاديث الصحيحة تدلُّ على أن العبادات البدنية تُفعَلُ عن الميت كالعبادات المالية، وفي الترمذي (٢) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يُضَحِّيْ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدَ موته، ويَذكُر أنه أَمَرَه بذلك.

إذا عُرِفَ هذا فإهداءُ ثواب القرآنِ إليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو إلى جميع أهل الأرض هو مثلُ إهداءِ ثوابَ الصيام التطوع والصلاة التطوع ونحوهما، ومثلُ إهداء ثواب الصدقة والعتق والحج على أحد القولين إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسائر المسلمين، ولم يَبلُغْنا أن أحدًا من السلف والصحابة والتابعين وتابعيهم كان يَفعلُ ذلك، وأقدمُ مَن بَلَغَنا أنه فعلَ شيئًا من ذلك عليُّ بن الموفَّق أحدُ الشيوخ من طبقةِ أحمد الكبار وشيوخِ الجنيد.

وبعضُ الناس يُنكِر هذا لأجل كون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلَى من أن أحدًا يُهدِي إليه شيئًا، وهذا الإنكارُ ليس بجيدٍ، فإنّا مأمورون أن نُصلِّيَ


(١) البخاري (١٩٥٣) ومسلم (١١٤٨) عن ابن عباس.
(٢) برقم (١٤٩٥). قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلاّ من حديث شريك.