للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقسمُ الثاني: متعلِّمٌ على سبيل نجاة؛ أي: قاصدًا بعلمه النجاة، وهو المخلصُ في تعلُّمه، المتعلِّمُ ما ينفعُه، العاملُ بما عَلِمَه، فلا يكون المتعلِّمُ على سبيل نجاةٍ إلا بهذه الأمور الثلاثة؛ فإنه إن تعلَّمَ ما يضرُّه ولا ينفعُه لم يكن على سبيل نجاة، وإن تعلَّم ما ينتفعُ به لا للنجاة فكذلك، وإن تعلَّمه ولم يعمل به لم يحصُل له النجاة، ولهذا وصَفَه بكونه على السبيل، أي: على الطريق التي تنجيه.

وليس حرفُ «على» وما عَمِلَ فيه متعلِّقًا بـ «متعلِّم» إلا على وجه التضمين، أي: مفتِّش متطلِّع على سبيل نجاته ليسلكه؛ فتعلُّمه تفتيشٌ على سبيل نجاته.

فهذا في الدرجة الثانية، وليس ممَّن تعلَّمه ليماري به السُّفهاء، أو يجاري به العلماء، أو يصرفَ وجوهَ الناس إليه، فإنَّ هذا من أهل النار، كما جاء في الحديث (١)، وثبَّته أبو نعيم وأبو عمرو بن الصلاح وغيرهما.

قال ابنُ الصلاح: وثبَّت أبو نعيم ــ أيضًا ــ قولَه - صلى الله عليه وسلم -: «من تعلَّمَ علمًا مما يبتغى به وجهُ الله، لا يتعلَّمُه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يَجِدْ رائحةَ الجنة» (٢).


(١) ورد من رواية جماعةٍ من الصحابة، ولا أعلمُ يصحُّ منها شيء، وقد صحَّح بعضها بعض أهل العلم.
وقال العقيلي في «الضعفاء» (٢/ ١٣٠): «في هذا الباب أحاديثُ عن جماعةٍ من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ليِّنةُ الأسانيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -».
وانظر: «الكامل» لابن عدي (١/ ٣٣٢، ٧/ ٢١٦).
ورُوِي من كلام بعض السَّلف، وهو أشبه.
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ٣٣٨)، وأبو داود (٣٦٦٤)، وابن ماجه (٢٥٢)، وغيرهم من حديث أبي هريرة بإسنادٍ فيه ضعف.
وصححه ابن حبان (٧٨)، والحاكم (١/ ٨٥) ولم يتعقبه الذهبي.
ورُوِي مرسلًا من وجهٍ أصح. قال الدارقطني في «العلل» (١١/ ٩): «والمرسل أشبه بالصواب».
وأعلَّه أبو زرعة بعلةٍ أخرى. انظر: «علل ابن أبي حاتم» (٢/ ٤٣٨).
وقال العقيلي (٣/ ٤٦٦) بعد أن أخرجه: «الروايةُ في هذا الباب ليِّنة».
وقد ذكر المعلِّمي في تعليقاته على «الفوائد المجموعة» (٣٣٠) أن أبا نُعيم قد يطلق الثبوت ويريد أن الحديث ثابتٌ في كتابه، لا أنه ثابتٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.