للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المغرب أسودين مكوّرين كالغِرارتين، ولا ضوءَ للشمس ولا نورَ للقمر، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك؛ فيتصايح أهلُ الدنيا وتَذْهَل الأمهات عن أولادها، والأحبَّة عن ثمرة قلوبها، فتشتغل كل نفس بما أتاها. قال: فأما الصالحون والأبرار فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ، ويكتب ذلك لهم عبادة. وأما الفاسقون والفجار فإنه لا ينفعهم بكاؤهم يومئذ، ويكتب ذلك عليهم خسارة. قال: فيرتفعان مثل البعيرين القرينين، ينازع كلُّ واحد منهما صاحبَه استِباقًا، حتى إذا بلغا سُرّة السماء - وهو منتصفها - أتاهما جبرئيل فأخذ بقرونهما ثم ردّهما إلى المغرب، فلا يُغربهما في مغاربهما من تلك العيون، ولكن يغربهما في باب التوبة.

فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنا وأهلى فداؤك يا رسول الله! فما باب التوبة؟ قال: يا عمر! خلق الله عزّ وجلّ بابا للتوبة خلف المغرب، مصراعين من ذهب، مكللًا بالدّر والجوهر، ما بين المصراع إلى المصراع الآخر مسيرة أربعين عامًا للراكب المسرع؛ فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما، ولم يتبْ عبد من عباد الله توبة نصوحًا من لدن آدم إلى صبيحة تلك الليلة إلَّا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب، ثم ترفع إلى الله عزّ وجلَّ.

قال معاذ بن جبل: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! وما التوبة النصوح؟ قال: أن يندم المذنب على الذنب الذي أصابه فيعتذر إلى الله ثم لا يعود إليه، كما لا يعودُ اللبن إلى الضَّرع. قال: فيردّ جبرئيل بالمصراعين فيلأم بينهما ويصيّرهما كأنه لم يكن فيما بينهما صَدْعٌ قط، فإذا أغلِق باب التوبة لم يقبل بعد ذلك توبة، ولم ينفع بعد ذلك حسنة يعملها في الإسلام إلَّا مَنْ كان قبل ذلك محسنًا، فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري قبل ذلك، قال فذلك قوله عزّ وجلَّ: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيرًا}.

فقال أبَيّ بن كعب: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك! وكيف بالناس والدنيا! فقال: يا أبيّ! إن الشمس والقمر بعد ذلك يُكسيان النور والضوء، ويطلعان على الناس ويغرُبان كما كانا قبل ذلك، وأما الناس فإنهم نظروا إلى ما نظروا إليه من فظاعة الآية، فيُلحّون على الدنيا حتى يُجروا

<<  <  ج: ص:  >  >>