للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= معاشر الأنبياء لا نورث" فأخبر الصادق المصدوق أن الأنبياء لا تورث أموالهم عنهم كما يورث غيرهم، بل تكون أموالهم صدقة من بعدهم على الفقراء والمحاويج لا يخصون بها أقرباءهم, لأن الدنيا كانت أهون عليهم وأحقر عندهم من ذلك كما هي عند الذي أرسلهم واصطفاهم وفضلهم، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيءٍ} يعني: أنه عليه السلام كان يعرف ما تتخاطب به الطيور بلغاتها وتعبر للناس عن مقاصدها وإرادتهما {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيءٍ} أي: من كل ما يحتاج الملك إليه من العدد والآلات والجنود والجيوش والجماعات من الجن والإنس والطيور والوحوش والشياطين السارحات والعلوم والفهوم والتعبير عن ضمائر المخلوقات من الناطقات والصامتات، ثم قال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} أي: من بارئ البريات وخالق الأرض والسموات كما قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَال رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.
يخبر تعالى عن عبده ونبيه وابن نبيه سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام أنه ركب يومًا في جيشه جميعه من الجن والإنس والطير، فالجن والإنس يسيرون معه والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر وغيره، وعلى كل من هذه الجيوش الثلاثة وزعة -أي نقباء- يردون أوله على آخره. فلا يتقدم أحد عن موضعه الذي يسير فيه ولا يتأخر عنه، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} فأمرت وحذرت واعتذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور.
والمقصود أن سليمان - عليه السلام - فهم ما خاطبت به تلك النملة لأمتها من الرأي السديد والأمر الحميد، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار، والفرح والسرور بما أطلعه الله عليه دون غيره، وليس كما يقوله بعض الجهلة من أن الدواب كانت تنطق قبل سليمان، وتخاطب الناس حتى أخذ عليهم سليمان بن داود العهد وألجمها فلم تتكلم مع الناس بعد ذلك، فإن هذا لا يقوله إلا الذين لا يعلمون، ولو كان هذا هكذا لم يكن لسليمان في فهم مقالها مزية على غيره، إذ قد كان الناس كلهم يفهمون ذلك، ولو كان قد أخذ عليها العهد ألا تتكلم مع غيره وكان هو يفهمها, لم يكن هذا أيضًا فائدة يعوّل عليها ولهذا قال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي} أي: ألهمني وأرشدني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} فطلب من الله أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه وعلى ما خصه به من المزية على غيره، وأن ييسر عليه العمل الصالح، وأن يحشره إذا توفاه مع عباده الصالحين، وقد استجاب الله تعالى له.
وقال الله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيرَ فَقَال مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ =

<<  <  ج: ص:  >  >>