للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإناء، ثم خرجت فقالت: يا عبد الله ألم تشرب! قال؛ بلَى، قالت: اذهب إلى أهلك؛ فسكت؛ ثم عادت فقالت مثلَ ذلك، فسكت؛ ثم قالت له: فيّ الله، سبحان الله يا عبد الله! فمرّ إلى أهلك عافاك الله؛ فإنه لا يَصلح لك الجلوس على بابي، ولا أحلّه لك؛ فقام فقال: يا أمَة الله، ما لي في هذا المصر منزلٌ ولا عشيرة؛ فهل لك إلى أجر ومعروف، ولعلّي مكافئك به بعد اليوم! فقالت: يا عبد الله، وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عَقيل، كَذَبني هؤلاء القوم وغَرّوني؛ قالت: أنت مسلم! قال: نعم، قالت: ادخُل، فأدخلتْه بيتًا في دارها غير البيت الذي تكون فيه، وفرشتْ له، وعرضتْ عليه العَشاء فلم يتعشَّ، ولم يكن بأسرعَ من أن جاء ابنها فرآها تُكثر الدخولَ في البيت والخروجَ منه، فقال: والله إنه ليَريبني كثرةُ دخولِك هذا البيتَ منذ الليلة وخروجك منه! إن لك لشأنًا؛ قالت: يا بنيّ، الْهُ عن هذا، قال لها: والله لتخبرنّي: قالت: أقبلْ على شأنك ولا تسألني عن شيء، فألحّ عليها، فقالت: يا بنيّ، لا تحدّثن أحدًا من الناس بما أخبرك به؛ وأخذتْ عليه الأيمان، فحلف لها، فأخبرتْه، فاضطجع وسكت -وزعَموا أنه قد كان شريدًا من الناس، وقال بعضهم: كان يشرب مع أصحاب له- ولما طال على ابن زياد، وأخذ لا يسمع لأصحاب ابن عَقيل صوتًا كما كان يسمعه قبل ذلك قال لأصحابه: أشرفوا فانظروا هَلْ تَروْن منهم أحدًا! فاشرَفوا فلم يَرْوا أحدًا؛ قال: فانظروا لعلَّهم تحت الظلال قد كَمَنوا لكم؛ ففرَعوا بحابحَ المسجد، وجعلوا يخفضون شُعَلَ النار في أيديهم، ثم ينظرون: هل في الظلال أحدٌ؟ وكانت أحيانًا تُضيء لهم، وأحيانًا لا تُضيء لهم كما يريدون، فدلّوا القناديل وأنصاف الطِّنان تشَدّ بالحبال، ثم تُجعل فيهم النيران، ثم تُدَلَّى، حتى تنتهي إلى الأرض، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتى فعلوا ذلك بالظُّلّة التي فيها المنبر، فلما لم يروْا شيئًا أعلموا ابنَ زياد، ففتح باب السُّدّة التي في المسجد، ثم خرج فصعد المنبرَ، وخرج أصحابهُ معه، فأمرهم فجلسوا حوله قبيْل العَتَمة، وأمر عمرو بن نافع فنادى: ألا بَرِئت الذّمة من رجل من الشّرْطة والعُرفاء أو المناكب أو المقاتلة صلَّى العَتَمة إلا في المسجد؛ فلم يكن له إلا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس، ثم أمر مناديَه فأقام الصلاةَ، فقال الحُصَين بن تميم: إن شئتَ صليتَ بالناس، أو يصلِّي بهم غيرُك، ودخلتَ أنت فصلَّيتَ في القصر، فإني لا آمن أن يغتالَك بعضُ أعدائك! فقال: مُرْ حَرَسي

<<  <  ج: ص:  >  >>