للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُرِدْه، وإن أرادنا؛ لم نكفَّ عنه، وأما جُثَّته فإنا لن نشفّعك فيها، إنه ليس بأهل منَّا لذلك، قد جاهَدنَا وخالفَنا، وجهَد على هلاكنا. وزعموا أنه قال: أما جُثَّته فإنّا لا نبالي إذ قتلناه ما صُنع بها. ثم إنّ ابن زياد قال: إيه يا بنَ عَقيل! أتيتَ الناس وأمرُهم جميع، وكَلِمتُهم واحدة، لتُشتِّتَهم، وتُفرّق كلمتَهم، وتَحمل بعضهم على بعض! قال: كلَّا، لستُ أتيتُ، ولكنّ أهل المِصْر زعموا: أنّ أباك قَتَل خيارَهم، وسفك دماءَهم، وعمل فيهم أعمالَ كسرَى وقيصَر، فأتيناهم لنأمُر بالعدل وندعوَ إلى حكم الكتاب، قال: وما أنت وذاك يا فاسقُ! أوَلم نكن نعمل بذاك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر! قال: أنا أشرب الخمر! واللهِ إنّ الله ليعلم أنك غيرُ صادق، وأنك قلتَ بغير علم، وأني لستُ كما ذكرتَ، وإنّ أحقّ بشرب الخمر مني وأوْلى بها من يَلَغُ في دماء المسلمين ولْغًا فيقتل النفس التي حرّم الله قتلَها، ويَقتُل النفسَ بغير النفس، ويسفك الدَم الحرام، ويَقتل على الغضَب والعداوة وسوء الظنّ، وهو يلهو ويلعب كأنْ لم يصنع شيئًا. فقال له ابن زياد: يا فاسق! إنّ نفسك تمنِّيك ما حالَ اللهُ دونه، ولم يرَك أهلَه؛ قال: فمن أهلُه يا بن زياد! قال: أمير المؤمنين يزيد. فقال: الحمد لله على كلّ حال، رضِينا بالله حَكَمًا بيننا وبينكم؛ قال: كأنك تظنّ أنّ لكم في الأمر شيئًا! قال: والله ما هو بالظنّ، ولكنه اليقين؛ قال: قتلني اللهُ إن لم أقتْلك قِتلةً لم يُقْتَلها أحدٌ في الإسلام! قال: أما إنك أحقّ مَنْ أحدث في الإسلام ما لم يكن فيه، أما إنك لا تَدَعُ سوءَ القِتْلة، وقبح المُثْلة، وخُبثَ السيرة، ولؤم الغلبة، ولا أَحَدَ من الناس أحقّ بها منك، وأقبل ابن سُمية يشَتمه، ويَشتم حسينًا، وعليًّا، وعَقيلًا، وأخذ مسلم لا يكلّمه، وزعم أهلُ العلم أنّ عبيد الله أمر له بماء فسُقيَ بخَزقةٍ، ثم قال له: إنه لم يمنعنا أن نسقيَك فيها إلا كراهة أن تحرم بالشرب فيها. ثم نقتلك ولذلك سقيناك في هذا، ثم قال: اصْعَدوا به فوق القصر فاضربوا عنقَه، ثم أتبعوا جسدَه رأسَه، فقال: يا بن الأشعث، أما والله لولا أنك آمنتَني ما استسلمت؛ قمْ بسيفك دوني فقد أخفِرَتْ ذمِّتُك، ثم قال: يا بن زياد! أما والله لو كانت بيني وبينك قرابة ما قتلتَني؛ ثم قال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابنُ عقيل رأسَه بالسيف وعاتقَه؟ فدُعيَ، فقال: اصْعَدْ فكن أنت الذي تضرب عنقَه، فصُعِد به وهو يكبِّر ويستغفر ويصلّي على ملائكة الله ورسله وهو يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>