إذا عقدوا للجارِ حَلَّ بِنجْوةٍ ... عزيز مَراقيها، منيع هضَابُها
نَفى نيزَكًا عن باذَغيسَ ونيزكٌ ... بمنزلة أعيا الملوكَ اغتصِابُها
مُحَلّقَةٍ دونَ السماء كأَنها ... غمَامةُ صَيف زلّ عنها سحابها
ولا يبلُغ الأَرْوى شماريخَها العلا ... ولا الطيرُ إلّا نسرُها وعُقابها
وما خُوِّفتْ بالذئب وِلْدانُ أَهلها ... ولا نَبَحَتْ إلا النجومَ كِلَابُها
تمنّيتُ أن ألقى العتيكَ ذوي النُّهَى ... مسلّطة تُحمى بملكٍ ركابُها
كما يتمنى صاحبُ الحرثِ أُعطشَت ... مزارِعُهُ غيثًا غَزيرًا رَبابُها
فأُسْقى بعد اليأس حتى تحَيَّرَتْ ... جدَاولها رِيًّا وَعبّ عبابُها
لقد جمع الله النوى وتشَعَّبَتْ ... شعوبٌ مِنَ الآفاقِ شَتى مآبها
قال: وكان نيزك يُعظِّم القلعة إذا رآها سجَد لها، وكتَب يزيدُ بن المهلب إلى الحجاج بالفَتْح، وكانت كُتُب يزيد إلى الحجاج يكتبها يحيى بن يَعمر العَدْوانيّ، وكان حليفًا لهذيل، فكتب: إنا لَقِينا العدو فمنحنَا الله أكتافهم، فقتلْنا طائفةً، وأسرْنا طائفة، ولحقتْ طائفة برؤوس الجبال وعَراعِر الأودية، وأهضامِ الغِيطان وأثناءِ الأنهار، فقال الحجّاج: من يكتب ليزيدَ؟ فقيل: يحيى بن يَعمر، فكَتبَ إلى يزيدَ فحمَلَه على البريد، فقَدِم عليه أفصَح الناس، فقال له: أينَ وُلِدتَ؟ قال: بالأهواز؛ قال: فهذه الفَصاحة؟ قال: حفظتَ كلَام أبي وكان فصيحًا، قال: مِن هناك فأخبرني هل يَلحَن عنبسة بن سعيد؟ قال: نَعَم كثيرًا، قال: ففُلان؟ قال: نعم، قال: فأخبرني عنّي أألحَن؟ قال: نعم تلحَن لحْنًا خفيًّا؛ تزيد حرفًا وتَنقص حرفًا، وتجعَل أنْ في موضع إنْ، وإنْ في موضع أنْ.
قال: قد أجّلتك ثلاثًا، فإن أجدْك بعدَ ثلاث بأرض العراق قتلْتك. فرجَع إلى خُراسان (١). (٦/ ٣٨٦ - ٣٨٨).
(١) قلنا: والمفضل ثقة في التاريخ فقط كما يدل كلام الخطيب. وسبحان الله ما وجدنا راويًا طعن فيه أهل الحديث بجرح مفسر إلَّا وفي بعض رواياته التاريخية غرابة إن لم تكن نكارة، والمفضل هنا ذكر في المتن غير ما عرف عن الحجاج من الفصاحة والبلاغة، والله تعالى أعلم.