للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنا لله! خُدْعَةٌ من خُدَع الشيطان! هلك بنو مروان فتفرّق النّاس عن الوليد، فأتوا العباس وعبد العزيز وظاهر الوليد بين دِرْعين، وأتوه بفرسيْه: السنديّ والزّائد، فقاتلهم قتالًا شديدًا، فناداهم رجل: اقتلوا عدوّ الله قِتْلةَ قوم لوط، ارموه بالحجارة (١).

فلما سمع ذلك دخل القصر، وأغلق الباب، وأحاط عبد العزيز وأصحابه بالقصر، فدنا الوليد من الباب، فقال: أمَا فيكم رجل شريف له حسب وحياء أكلّمه! فقال له يزيد بن عنبسة السَّكسكيّ: كلمني، قال له: من أنت؟ قال: أنا يزيد بن عنبسة، قال: يا أخا السكاسك؛ ألم أزِدْ في أعطياتكم! ألم أرفع المؤَن عنكم! ألم أعطِ فقراءكم! ألم أخدم زَمْنَاكم! فقال: إنا ما ننقم عليكَ في أنفسنا، ولكن ننقِم عليك في انتهاك ما حَرّم الله وشُرْب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفَافك بأمر الله؛ قال: حسبُك يا أخا السكاسك، فلعمري لقد أكثرت وأغرقت؛ وإن فيما أحِلّ لي لسعةً عمّا ذكرت. ورجع إلى الدار فجلس وأخذ مصحفًا، وقال: يوْمٌ كيوم (٢) عثمان؛ ونشر المصحف يقرأ، فَعَلُوا الحائط، فكان أوّل من علا الحائط يزيد بن عنبسة السَّكْسَكيّ، فنزل إليه وسيف الوليد إلى جَنْبه، فقال له يزيد: نحّ سيفك، فقال له الوليد: لو أردتُ السيف لكانتْ لي ولك حالة فيهم (٣) غير هذه، فأخذ بيد الوليد؛ وهو (٤) يريد أن يحبسه ويؤامرَ


(١) بعدها في الأغاني ٧: ٧٩: "فرموه بالحجارة؛ فلما سمع ذلك دخل القصر، وأغلق الباب"، وقال:
دعُوا لي سُلَيمَى والطّلَاءَ وقَيْنَةً ... وكأْسًا ألا حسبي بذلك مالا
إذا ما صَفا عَيْشٌ برملهِ عالجٍ ... وعانقتُ سلمي لا أريد بِدالا
خذوا ملككم، لا ثبّتَ الله ملككمْ ... ثباتًا يساوي ما حِييتِ عِقالا
وخَلُّوا عِناني قبل عَيْرٍ وما جَرَي ... ولا تحسدوني أَن أموت هُزَالا
(٢) يريد عثمان بن عفان فإنه لما قتل كان يقرأ في المصحف، وجرى دمه عليه.
(٣) من الأغاني.
(٤) الأغاني: "وهو يريد أن يدخله بيتًا ويؤامر فيه، فنزل من الحائط عشرة؛ فيهم منصور بن جمهور وعبد الرحمن وقيس مولى يزيد بن عبد الملك والسري بن زياد بن أبرهة، فضربه عبد الرحمن السلمي على رأسه ضربة، وضربه السري بن زياد على وجهه، وجروه بين خمسة ليخرجوه".

<<  <  ج: ص:  >  >>