واج المروروذيّ (رجلًا من الحَرَس) وأبا حنيفة حرب بن قيس، وقال لهم: إذا صفقتُ بيديَّ فشأنكم؛ وأذن لأبي مسلم، فقال لمحمد البواب النجاريّ: ما الخبر؟ قال: خير؛ يُعطينني الأمير سيفه، فقال: ما كان يُصنَع بي هذا! قال: وما عليك! فشكا ذلك إلى أبي جعفر، قال: ومَن فعل بك هذا قبحه الله! ثم أقبل يعاتبه: ألستَ الكاتب إليّ تبدأ بنفسك، والكاتب إليّ تخطب أمينة بنت عليّ وتزعم أنك ابنُ سَلِيط بن عبد الله بن عباس! ما دعاك إلى قتل سليمان بن كَثير مع أثرِه في دعوتنا؛ وهو أحد نقبائنا قبل أن نُدخلك في شيء من هذا الأمر؟ قال: أرادَ الخلافَ وعصاني فقتلتُه، فقال المنصور: وحاله عندنا حاله فقتلَته، وتعصيني وأنت مخالف عليّ! قتلني الله إن لم أقتلك! فضربه بعمود، وخرج شبيبُ وحرب فقتلاه، وذلك لخمس ليال بقين من شعبان من سنة سبع وثلاثين ومئة، فقال المنصور:
زعمتَ أنَّ الدَّين لا يُقْتَضَى ... فاسْتَوْفِ بالكَيْل أَبا مُجْرِم
سُقِيتَ كأْسًا كنتَ تَسقِي بها ... أَمَرَّ في الحَلق مِنَ العَلْقَم
قال: وكان أبو مسلم قد قَتَل في دولته وحروبه ستمئة ألف صَبْرًا.
وقيل: إن أبا جعفر لما عاتب أبا مسلم، قال له: فعلتَ وفعلتَ، قال له أبو مسلم: ليس يقال هذا لي بعد بلائي، وما كان مني؛ فقال: يا بن الخبيثة؛ والله لو كانتْ أمَةٌ مكانك لأجْزَتْ ناحيتها؛ إنما عملت ما عملت في دولتنا وبريحنا؛ ولو كان ذلك إليك ما قطعتَ فتيلًا، ألستَ الكاتبَ إليّ تبدأ بنفسك، والكاتبَ إليّ تخطب أمينة بنت عليّ، وتزعم أنك ابنُ سَليط بن عبد الله بن عباس! لقد ارتقيت لا أمّ لك مُرْتَقىً صعبًا! فأخذ أبو مسلم بيده يعرِكها ويقتلها ويعتذر إليه.
وقيل: إن عثمان بن نَهيك ضرب أبا مسلم أوّل ما ضرب ضربة خفيفة بالسيف؛ فلم يزد على أن قطع حمائل سيفه؛ فاعتقل بها أبو مسلم، وضرب شبيب بن واج رجلَه، واعتوَره بقية أصحابه حتى قتلوه، والمنصور يصيح بهم: اضربوا قطع الله أيديكم!
وقد كان أبو مسلم قال - فيما قيل - عند أول ضربة أصابته: يا أمير المؤمنين، استبقني لعدّوك قال: لا أبقاني الله إذًا! وأيّ عدوٍّ لي أعدى منك!