للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنا ساعةً، ثم إنه مال إلى ابن الزبير كأنه يُسارّه، فقال له: ما تنتظر! ابسُطْ يدك أبايعْك، وأعطِنا ما يُرضينا، وثب على الحجاز فإنّ أهل الحجاز كلهم معك. وقام المختار فخرج، فلم يُرَ حولًا؛ ثم إنِّي بينا أنا جالسٌ مع ابن الزبير إذ قال لي ابن الزبير: متى عهدُك بالمختار بن أبي عُبيد؟ فقلت له: ما لي به عهد منذ رأيتُه عندَك عامًا أوّل؛ فقال: أين تراه ذهب! لو كان بمكة، لقد رئيَ بها بعدُ، فقلت له: إني انصرفت إلى المدينة بعد إذ رأيتُه عندَك بشهر أو شهرين، فلبثتُ بالمدينة أشهرًا، ثمّ إني قدمتُ عليك، فسمعت نفرًا من أهل الطائف جاؤوا معتمرين يزعمون أنه قدم عليهم الطائف، وهو يزعم أنه صاحب الغضب، ومُبِير الجبّارين، قال: قاتله الله! لقد انبعث كذّابًا متكهِّنًا، إنّ الله إنْ يُهلِك الجبَّارين يكن المختار أحدهم، فوالله ما كان إلا ريث فراغنا من منطقنا حتى عنّ لنا في جانب المسجد، فقال ابن الزبير: اذكرْ غائبًا ترَهُ، أين تظُنُّه يهوِي؟ فقلت: أظنه يريد البيت فأتى البيت فاستقبل بالحجر، ثم طاف بالبيت أسبوعًا (١)، ثمّ صلى ركعتين عند الحِجرْ، ثمّ جلس، فما لبث أن مرّ به رجال من معارفه من أهل الطائف وغيرهم من أهل الحجاز، فجلسوا إليه، واستبطأ ابن الزبير قيامَه إليه، فقال: ما ترى شأنه لا يأتينا! قلت: لا أدري، وسأعلم لك علمه، فقال: ما شئتَ، وكأن ذلك أعجبه.

قال: فقمتُ فمررتُ به كأنيّ أريد الخروجَ من المسجد، ثمّ التفتُّ إليه، فأقبلت نحوَه ثمّ سلّمت عليه، ثمّ جلست إليه، وأخذت بيده، فقلتُ له: أين كنت؟ وأين بلغت بعدي؟ أبالطائف كنت؟ فقال لي: كنتُ بالطائف وغير الطائف، وعمّس عليّ أمرَه، فملتُ إليه، فناجَيْته، فقلت له: مِثْلُك يغيب عن مِثلِ ما قد اجتمع عليه أهلُ الشرف وبيوتاتِ العرب من قريش والأنصار وثقيف! لم يبق أهلُ بيت ولا قبيلة إلا وقد جاء زعيمُهم وعميدُهم فبايع هذا الرجل، فعجبًا لك ولرأيك ألا تكون أتيتَه فبايعته، وأخذتَ بحظِّك من هذا الأمر! فقال لي: وما رأيتَني؟ أتيتُه العامَ الماضي، فأشرت عليه بالرأي، فطوى أمرَه دوني، وإني لما رأيته استغنى عنِّي أحببت أن أرِيَه أنِّي مستغن عنه، إنه والله لهو أحوجُ إليّ مني إليه؛ فقلت له: إنك كلمتَه بالذي كلمته وهو ظاهر في المسجد، وهذا الكلام


(١) أي: سبع أشواط.

<<  <  ج: ص:  >  >>