فقال له هانئ بن أبي حيّة: وَيْحك يا بن أبي عبيد! إن استطعتَ ألّا تُوضع في الضلال ليكن صاحبهم غيرك، فإنّ صاحب الفتنة أقربُ شيء أجلا، وأسوأ الناس عملًا؛ فقال له المختار: إني لا أدعو إلى الفتنة إنما أدعو إلى الهدى والجماعة، ثم وثب فخرج وركب رَواحلَه، فأقبل نحو الكوفة حتى إذا كان بالقَرْعاء لقيه سلمة بن مرثَد أخو بنت مرثد القابضيّ من هَمْدان - وكان من أشجع العرب، وكان ناسكًا - فلما التقيا تصافحا وتساءلا، فخبره المختار؛ ثم قال لسلمة بن مرثد: حدّثني عن الناس بالكوفة، قال: هم كغنمٍ ضلّ راعِيها؛ فقال المختار بن أبي عبيد: أنا الذي أحسِن رِعايتهَا، وأبلُغ نهايتَها؛ فقال له سلمة: اتق اللهَ واعلم أنك ميت ومبعوث، ومحاسب ومجزيٌّ بعَملك إنْ خيرًا فخيرٌ وإنْ شرًّا فشرّ، ثمّ افترقا، وأقبل المختار حتى انتهى إلى بحر الحِيرة يوم الجمعة، فنزل فاغتسل فيه، وادّهن دُهنًا يسيرًا، ولبس ثيابه واعتمّ، وتقلَّد سيفه، ثمّ ركب راحلتَه فمرّ بمسجد السَّكون وجبَّانة كِنْدة، لا يمرّ بمجلس إلا سلَّم على أهله، وقال: أبشروا بالنّصر والفلج، أتاكم ما تحبّون، وأقبل حتى مرّ بمسجد بني ذُهل وبني حُجْر، فلم يجد ثمَّ أحدًا، ووجد الناس قد راحوا إلى الجمعة، فأقبل حتى مرّ ببني بدّاء، فوجد عبيدة بن عمرو البَدّي من كِنْدة، فسلم عليه، ثم قال: أبشر بالنصر واليُسر والفلج، إنك أبا عمرو على رأي حَسَن، لن يَدَع الله لك معه مأثمًا إلا غفره، ولا ذنبًا إلا ستَره - قال: وكان عبيدة من أشجع الناس وأشعرهم، وأشدِّهم حبًّا لعليٍّ - رضي الله عنه -، وكان لا يصبر عن الشراب - فلما قال له المختار هذا القول قال له عبيدة: بشّرك الله بخير إنك قد بشّرتنا، فهل أنت مفسرٌ لنا؟ قال: فالقنِي في الرّحل الليلةَ ثمّ مضى (١). (٥/ ٥٧٧ - ٥٧٩).
قال أبو مخنف: فحدّثني فُضَيل بن خَديج، عن عبيدة بن عمرو قال: قال لي المختار هذه المقالة، ثم قال لي: القني في الرَّحل، وبلِّغ أهلَ مسجِدكم هذا عنِّي أنهم قومٌ أخذ الله ميثاقَهم على طاعته، يقتلون المُحلِّين، ويطلبون بدماء أولاد النبيّين، ويهديهم للنور المبين، ثم مضى فقال لي: كيف الطريق إلى بني هند؟ فقلت له: أنظرني أدلّك، فدعوتُ بفَرَسي وقد أسرِج لي فركبتُه؛ قال: ومضيت معه إلى بني هند، فقال: دُلّني على منزل إسماعيل بن كثير، قال: فمضيتُ به