فأنا أسعدُ الناس، وإن لم أفعلْ فنفسي أوبقْتُ، وحظّ نفسي ضيَّعت، ألا إني جالس لكم العَصْرين، فارفَعوا إليَّ حوائجَكم، وأشيروا عليّ بما يصلحكم ويُصلح بلادَكم، فإني لن آلُوكم خيرًا ما استَطعتُ، ثمّ نزل.
وكان بالمدائن إذ ذاك رجالٌ من أشرف أهل المصْر وبيوتات الناس، وبها مقاتِلة لا تسعُها عدّة، إن كان كَوْنٌ بأرض جُوخَى أو بأرض الأنبار فأقبل مطرّف حين نزل حتى جلس للناس في الإيوان، وجاء حكيمُ بنُ الحارث الأزديّ يمشي نحوه، وكان من وجوه الأزد وأشرافِهم، وكان الحجَّاج قد استعمَله بعد ذلك على بيت المال - فقال له: أصلحك الله! إني كنتُ منك نائيًا حين تكلَّمتَ، وإني أقبلتُ نحوك لأجيبَك، فوافَق ذلك نزولك، إنَّا قد فهمنا ما ذكرتَ لنا: أنَّه عهد إليك، فأرشد اللهُ العاهدَ والمعهودَ إليه، وقد منّيتَ من نفسك العَدل، وسألتَ المعونة على الحقّ، فأعانك الله على ما نويتَ، إنَّك تُشبه أباك في سيرته برضا الله والناس، فقال له مطرّف: هاهنا إليّ، فأوسَع له فجلَس إلى جَنْبه (١). (٦/ ٢٨٤ - ٢٨٥).
قال أبو مخنَف: فحدّثني الحُصَين بن يزِيدَ أنّه كان من خير عامل قدم عليهم قطّ، أقمعه لمُرِيب، وأشدّه إنكارًا للظلم، فقدِم عليه بشر بن الأجْدَع الهَمْدانيّ، ثم الثوريّ، وكان شاعرًا فقال:
إني كلِفتُ بخَوْد غيرِ فاحشةٍ ... غرَّاءَ وهَنْانَةٍ حُسَّانَةِ الجِيدِ
كأنها الشمس يومَ الدَّجْنِ إذ برَزتْ ... تمشي مَعَ الآنُسِ الهيفِ الأَماليدِ
سلِّ الهوى بعَلْنَدَاةٍ مُذَكَّرَةٍ ... عنها إلى المُجْتَدى ذي العُرْف والجود
إلى الفتى الماجد الفيَّاضِ نَعرفهُ ... في الناس ساعةَ يُحْلَى كلّ مردُود
من الأَكارم انْسابًا إذا نُسِبُوا ... والحامِل الثِّقْل يومَ المغرَم الصِّيد
إني أعِيذُك بالرحمنِ من نَفَرٍ ... حمر السِّبال كأُسْدِ الغابةِ السُّودِ
فُرسانُ شَيْبان لم نسمعْ بمثلِهمِ ... أبناءُ كلِّ كريم النَّجلِ صِنديدِ
شَدُّوا على ابنِ حُصينٍ في كَتِيبَتهِ ... فغادَرُوهُ صريعًا ليلةَ العِيدِ
وابنُ المجالِدِ أَرْدَتْهُ رمَاحُهُمُ ... كأنَّما زَلَّ عن خَوصاءَ صَيْخُودِ
(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.