وخذ منه الباقي. قال: فخرج الرّبيع فحطّ ثقَلي، ووزن لي أربعة آلاف درهم وأخذ الباقي. قال: فلمَّا صارت الخلافة إلى المهديّ، ولَّى ابن ثوبان المظالم، فكان يجلس للنَّاس بالرُّصافة فإذا ملأ كساءه رقاعًا رفعها إلى المهديّ، فرفعتُ إليه يومًا رقعة أذكره قصتي، فلما دخل بها ابن ثوبان، جعل المهديّ ينظر في الرقاع؛ حتَّى إذا نظر في رقعتي ضحك، فقال له ابن ثوبان: أصلح الله أمير المؤمنين! ما رأيتك ضحكت من شيء من هذه الرّقاع إلَّا من هذه الرقعة! قال: هذه رقعة أعرف سببَها، ردُّوا إليه العشرين الألف الدرهم، فردت إليّ وانصرفتُ (١).
وذكر واضح مولى المنصور، قال: إنِّي لواقفٌ على رأس أبي جعفر يومًا إذْ دخل عليه المهديّ، وعليه قَبَاء أسود جديد، فسلّم وجلس، ثم قام منصرفًا وأتبعه أبو جعفر بصرَه لحبِّه له وإعجابه به؛ فلما توسّط الرّواق عثر بسيفه فتخرّق سواده، فقام ومضى لوجهه غير مكترِث لذلك ولا حافل به، فقال أبو جعفر: ردُّوا أبا عبد الله؛ فرددناه إليه، فقال: يا أبا عبد الله، استقلالًا للمواهب، أم بطرًا لنعمة، أم قلةَ علم بموضع المصيبة! كأنَّك جاهل بما لَك وعليك! وهذا الذي أنت فيه عطاء من الله، إن شكرتَه عليه زادك، فإن عرفت موضع البلاء منه فيه عافاك. فقال المهديّ: لا أعدمنا الله بقاءك يا أمير المؤمنين وإرشادك: والحمد لله على نعمه، وأسأل الله الشكر على مواهبه، والخلف الجميل برحمته. ثم انصرف.
قال العباس بن الوليد بن مزيد: قال: سمعت ناعم بن مزيد، يذكر عن الوضين بن عطاء، قال: استزارني أبو جعفر - وكانت بيني وبينه خلالة قبل الخلافة - فصرت إلى مدينة السَّلام، فخلوْنا يومًا، فقال لي: يا أبا عبد الله، ما مالُكَ؟ قلت: الخبر الذي يعرفه أمير المؤمنين، قال: وما عيالُك؟ قلت: ثلاث بنات والمرأة وخادم لهنّ، قال: فقال لي: أربع في بيتك؟ قلت: نعم، قال: فوالله لردّد عليّ حتَّى ظننت أنَّه سيموّلني، قال: ثم رفع رأسه إليّ، فقال: أنت أيسر العرب، أربعة مغازِل يدرْن في بيتك.
(١) انظر: تأريخ بغداد [١٣/ ١٧٨]، وابن عساكر [٥٣/ ٤٤٣]، ففيهما الخبر بطوله مع اختلاف يسير والقصيدة بطولها.