للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكِر عن سوادة بن عمرو السُّلمِيّ، عن عبد الملك بن عطاء - وكان في صحابة المنصور - قال: سمعتُ ابن هُبَيرة وهو يقول في مجلسه: ما رأيتُ رجلًا قطّ في حرب، ولا سمعت به في سِلْم، أمكرَ ولا أبدعَ، ولا أشدّ تيقُّظًا من المنصور، لقد حصرني في مدينتي تسعة أشهر، ومعي فرسان العرب، فجهدنا كلّ الجهد أن ننال من عسكره شيئًا نكسره به، فما تهيّأ، ولقد حصرني وما في رأسي بيضاء، فخرجت إليه وما في رأسي سوداء؛ وإنه لكما قال الأعشى:

يَقومُ على الرّغْمِ مِنْ قومِه ... فيَعْفو إِذا شاءَ أَو يَنتَقِمْ

أَخو الحرب لا ضَرَعٌ واهنٌ ... ولم يَنْتَعِلْ بنعال خَذِمْ

وذكر إبراهيم بن عبد الرحمن أن أبا جعفر كان نازلًا على رجل يقال له أزهر السمّان - وليس بالمحدِّث - وذلك قبل خلافته، فلما وليَ الخلافة صار إليه إلى مدينة السَّلام، فأدخِل عليه، فقال: حاجتك؟ قال: يا أميرَ المؤمنين، عليّ دين أربعة آلاف درهم، وداري مستهدَمة، وابني محمَّد يريد البناء بأهلِه؛ فأمر له باثني عشر ألف درهم، ثم قال: يا أزهر؛ لا تأتنا طالبَ حاجة؛ قال: أفعل. فلما كان بعد قليل عاد، فقال: يا أزهر، ما جاء بك؟ قال: جئت مسلِّمًا يا أمير المؤمنين، قال: إنَّه ليقع في نفسي أشياء، منها أنك أتيتنا لِمَا أتيتَنا له في المرّة الأولى؛ فأمر له باثني عشر ألف درهم أخرى، ثم قال: يا أزهر، لا تأتنا طالبَ حاجة ولا مسلّمًا، قال: نعم يا أمير المؤمنين، ثم لم يلبث أن عاد، فقال: يا أزهر، ما جاء بك؟ قال: دعاء سمعته منك أحببت أن آخذه عنك، قال: لا ترده، فإنَّه غير مستجاب، لأني قد دعوت الله به أن يريحني من خلقتك فلم يفعل، وصرفه ولم يعطه شيئًا.

وذكر الهيثم بن عديّ أن ابن عيَّاش حدّثه أنّ ابن هبيرة أرسل إلى المنصور وهو محصور بواسط، والمنصور بإزائه: إنِّي خارج يوم كذا وكذا وداعيك إلى المبارزة، فقد بلغني تجبينُك إياي؛ فكتب إليه: يابن هبيرة، إنك امرؤٌ متعدٍّ طورَك، جارٍ في عنان غيِّك، يعدك الله ما هو مصدّقه، ويمنِّيك الشَّيطان ما هو مكذّبه، ويقرّب ما الله مباعده، فرويدًا يتمّ الكتاب أجله، وقد ضربتُ مثلي ومثلَك، بلغني أن أسدًا لقي خنزيرًا، فقال له الخنزير: قاتِلني، فقال الأسد: إنما أنت خنزير ولستَ لي بكفء ولا نظير، ومتى فعلتَ الذي دعوتني إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>