للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا شهد الجمعة أقبل من دارِه على دوابه حتَّى ينتهي إلى أبواب المسجد فينزل على عَتبة الأبواب، ثم يصلِّي في موضعه؛ فكتب رَوْح إلى المهديّ أن عيسى بن موسى لا يشهد الجُمَع، ولا يدخل الكوفة إلّا في شهرين من السنة؛ فإذا حضر أقبل على دوابّه حتَّى يدخل رَحبَة المسجد؛ وهو مصلَّى النَّاس، ثم يتجاوزها إلى أبواب المسجد، فتروث دوابُّه في مصلَّى النَّاس؛ وليس يفعل ذلك غيره؛ فكتب إليه المهديّ أن اتّخذ على أفواه السِّكك التي تلي المسجد خشبًا ينزل عنده النَّاس، فاتّخذ روح ذلك الخشب في أفواه السكك - فذلك الموضع يسمى الخشبة - وبلغ ذلك عيسى بن موسى قبل يوم الجُمعة، فأرسل إلى ورثة المختار بن أبي عبيدة - وكانت دار المختار لزيقة المسجد - فابتاعها وأثمن بها، ثم إنَّه عمّرها واتخذ فيها حمّامًا، فكان إذا كان يوم الخميس أتاها فأقام بها، فإذا أراد الجمعة ركب حمارًا فدبّ به إلى باب المسجد فصلّى في ناحية، ثم رجع إلى داره. ثم أوطن الكوفة وأقام بها، وألحَّ المهديّ على عيسى فقال: إنك لم تجبني إلى أن تنخلع منها حتَّى أبايع لموسى وهارون استحللتُ منك بمعصيتك ما يستحَلّ من العاصي، وإن أجبتَني عوّضتك منها ما هو أجدى عليك وأعجل نفعًا. فأجابه، فبايعَ لهما وأمر له بعشرة آلاف ألف درهم - ويقال عشرين ألف ألف - وقطائع كثيرة.

وأمَّا غير عمر فإنَّه قال: كتب المهديّ إلى عيسى بن موسى لما همّ بخلعه يأمره بالقدوم عليه، فأحسّ بما يُراد به، فامتنع من القدوم عليه، حتَّى خيف انتقاضه، فأنفذ إليه المهديّ عمّه العباس بن محمَّد، وكتب إليه كتابًا، وأوصاه بما أحبّ أن يبلغه، فقدم العباس على عيسى بكتاب المهديّ ورسالته إليه، فانصرف إلى المهديّ بجوابه في ذلك، فوجّه إليه بعد قدوم العباس عليه محمَّد بن فرّوخ أبا هريرة القائد في ألف رجل من أصحابه من ذوي البصيرة في التشيّع، وجعل مع كل رجل منهم طبلًا، وأمرهم أن يضربوا جميعًا بطبولهم عند قدومهم الكوفة، فدخلها ليلًا في وجه الصبح، فضرب أصحابه بطبولهم، فراع ذلك عيسى بن موسى رَوْعًا شديدًا، ثم دخل عليه أبو هريرة، فأمر بالشخوص، فاعتلّ بالشكوى فلم يقبل ذلك منه، وأشخصه من ساعته إلى مدينة السَّلام.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>