للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر محمدٌ بن سلّام أنه كان في زمان المهديّ إنسان ضعيف يقول الشعر إلى أن مدح المهديّ. قال: فأدخِل عليه فأنشده شعرًا يقول فيه: "وَجَوَارٍ زَفَرَات"، فقال له المهديّ: أي شيء زفرات؟ قال: وما تعرفها أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: لا والله، قال: فأنت أميرُ المؤمنين وسيِّد المسلمين وابن عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تعرفها، أعرفها أنا! كلّا والله.

قال ابن سلّام: أخبرني غير واحد أن طُريح بن إسماعيل الثقفيّ دخل على المهدي فانتسب له، وسأله أن يسمع منه، فقال: ألست الذي يقول للوليد بن يزيد:

أَنت ابنُ مُسْلنطح البِطاحِ ولَمْ ... تُطرَقْ عليك الحِنيُّ والولَجُ

والله لا تقول لي في مثل هذا أبدًا، ولا أسمع منك شعرًا، وإن شئت وصلتك.

وذُكر أنّ المهديّ أمر بالصوم سنة ست وستين ليستسقي للناس في اليوم الرابع، فلما كان في الليلة الثالثة أصابهم الثلج، فقال لَقيط بنُ بُكيَر المحاربيّ في ذلك:

يا إِمامَ الهدى سُقِينا بك الغَيْـ ... ثَ وزالتْ عَنَّا بك اللأوْاءُ

بِتَّ تُعْنَى بالحفظِ والناسُ نُوَّا ... مُ عليهم مِنَ الظَّلامِ غِطاءُ

رَقَدُوا حيثُ طال ليلُكَ فيهمْ ... لك خوفٌ تَضَرعٌ وبكاءُ

قد عَنتكَ الأُمورُ منهم على الغفـ ... ـلة مِنْ مَعْشَرٍ عَصَوا وأَساءوا

وسُقِينا وقد قُحِطنا وقلنا ... سنةٌ قد تَنكَّرَتْ حمراءُ

بِدُعاءٍ أَخلصتَهُ في سوادِ اللـ ... يلِ للهِ فاستُجيب الدعاءُ

بثلوجٍ تُحيَا بها الأرض حتى ... أَصبَحَت وهْيَ زهرَةٌ خضراءُ

وذكر أن الناس في أيام المهديّ صاموا شهر رمضان في صميم الصيف، وكان أبو دلامة إذ ذاك يطالب بجائزة وعدها إياه المهديّ، فكتب إلى المهديّ رقعة يشكو إليه فيها ما لقيَ من الحرّ والصوم، فقال في ذلك:

أَدْعُوكَ بالرَّحِم التي جَمَعَتْ لنا ... في القربِ بين قريبِنا والأَبْعَدِ

إِلَّا سمعتَ وأَنت أَكرمُ مَنْ مَشَى ... مِنْ مُنشدٍ يَرجو جزاءَ المُنشَدِ

حَلّ الصيامُ فصمتُهُ مُتعَبّدا ... أَرجو ثوابَ الصائم المُتعبّدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>