للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه من أموره، وفي إجابتك إياه إلى القدوم عليه صلاحٌ عظيم في الخلافة، وأنس وسكون لأهل الملّة والذمة، وفَّق الله الأميرَ في أموره، وقضى له بالذي هو أحبّ إليه وأنفع له!

فحمِد الله المأمون وأثنى عليه، ثم قال: قد عرَّفتموني من حق أمير المؤمنين أكرَمه الله مالًا أنكره، ودعوتموني من الموازرة والمعونة إلى ما أوثره ولا أدفعه، وأنا لِطاعة أمير المؤمنين مقدِم، وعلى المسارعة إلى ما سرّه ووافقه حريص، وفي الرويّة تبيانُ الرّأي، وفي إعمال الرأي نُصح الاعتزام، والأمر الذي دعاني إليه أمير المؤمنين أمر لا أتأخر عنه تثبّطًا ومدافعةً، ولا أتقدم عليه اعتسافًا وعَجَلة، وأنا في ثَغْر من ثغور المسلمين كلبٌ عدوّه، شديدٌ شوكته، وإن أهملت أمره لم آمن دخول الضرر والمكروه على الجنود والرعيّة، وإن أقمت لم آمن فوت ما أحبّ من معونة أمير المؤمنين وموازرته، وإيثار طاعته، فانصرفوا حتى أنظر في أمرِي، ونصح الرأي فيما أعتزم عليه من مسيرِي إن شاء الله. ثم أمر بإنزالهم وإكرامهم والإحسان إليهم (١).

فذكر سفيان بن محمد أنّ المأمون لمّا قرأ الكتاب أسقِط في يده، وتعاظَمه ما ورد عليه منه، ولم يَدْرِ ما يردُّ عليه، فدعا الفضلَ بن سهل، فأقرأه الكتاب، وقال: ما عندك في هذا الأمر؟ قال: أرى أن تتمسَّك بموضعك، ولا تجعل عليك سبيلًا، وأنت تجد من ذلك بدًّا. قال: وكيف يمكنني التمسك بموضعي ومخالفة محمد، وعُظْم القواد والجنود معه، وأكثر الأموال والخزائن قد صارت إليه، مع ما قد فرّق في أهل بغداد من صِلاته وفوائده! وإنما الناس مائلون مع الدّراهم، منقادون لها، لا ينظرون إذا وجدوها حفظَ بيعة، ولا يرغبون في وفاء عهد ولا أمانة. فقال له الفضل: إذا وقعت التهمة حقًّ الاحتراس، وأنا لغدر محمد متخوّف، ومن شَرَهِهِ إلى ما في يديك مشفِق، ولأن تكون في جندك وعزِّك مقيمًا بين ظهرانيْ أهل ولايتك أحْرَى، فإن دهمك منه أمر جرّدت له وناجزته وكايدته، فإمّا أعطاك الله الظفَر عليه بوفائِك ونيَّتك، أو كانت الأخرى فمتّ محافظًا مكرّمًا، غير ملقٍ بيديك، ولا ممكن عدوّك من الاحتكام في نفسك ودمك. قال: إن هذا الأمر لو كان أتاني وأنا في قوّة من


(١) انظر الخبر الآتي وتعليقنا عليه والخبر (٨/ ٤٠٥/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>