للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمري، وصلاح من الأمور، كان خطبه يسيرًا، والاحتيال في دفعه ممكنًا، ولكنّه أتاني بعد إفساد خُراسان واضطراب عامرها وغامرها، ومفارقة جَبْغويه الطاعة، والتواء خاقان صاحب التّبت، وتهيؤ ملك كابل للغارة على ما يليه من بلاد خُراسان، وامتناع ملك إبرازبنده بالضريبة التي كان يؤديها، وما لي بواحدة من هذه الأمور يدٌ، وأنا أعلم أن محمدًا لم يطلب قدومي إلا لشرّ يريده، وما أرى إلا تخلية ما أنا فيه، واللحاق بخاقان ملك الترك، والاستجارة به وببلاده، فبالحرَي أن آمن على نفسي، وأمتنع ممن أراد قَهْرِي والغدر بي.

فقال له الفضل: أيها الأمير، إنّ عاقبة الغدر شديدة، وتَبِعة الظلم والبغي غير مأمون شرّها، وربّ مستذَل قد عاد عزيزًا، ومقهور قد عاد قاهرًا مستطيلًا، وليس النصر بالقلة والكثرة، وحَرَجُ الموت أيسر من حرج الذلّ والضيم، وما أرى أن تفارق ما أنت فيه وتصير إلى طاعة محمد متجرّدًا من قوّادك وجندك كالرأس المختزَل عن بدنه، يُجري عليك حكمه، فتدخل في جملة أهل مملكته من غير أن تبلي عذرًا في جهاد ولا قتال، ولكن اكتب إلى جبغويه وخاقان، فولِّهما بِلادهما، وعدْهما التقويةَ لهما في محاربة الملوك، وابعْث إلى ملك كابل بعضَ هدايا خُراسان وطُرَفها، وسلْه الموادعة تجده على ذلك حريصًا، وسلِّم الملك إبرازبنده ضريبتَه في هذه السنة، وصيّرها صِلةً منك وصلتَه بها، ثم أجمع إليك أطرافك، واضمُم إليك من شذّ من جندك، ثم اضرب الخيل بالخيل، والرجال بالرجال، فإن ظفرتَ وإلا كنت على ما تريد من اللحاق بخاقان قادرًا. فعرف عبدُ الله صدق ما قال، فقال: أعمل في هذا الأمر وغيره من أموري بما ترى، وأنفَذ الكتب إلى أولئك العصاة، فرضوا وأذعنوا، وكتب إلى مَنْ كان شاذًا عن مَرْو من القواد والجنود، فأقدمهم عليه، وكتب إلى طاهر بن الحسين وهو يومئذ عامل عبد الله على الرّيّ، فأمره أن يضبط ناحيتَه، وأن يجمع إليه أطرافه، ويكون على حذَرٍ وعدّة من جيش إن طرقه، أو عدوٍّ إن هجم عليه. واستعدّ للعرب، وتهيّأ لدفع محمد عن بلاد خراسان (١).

ويقال: إن عبد الله بعث إلى الفضل بن سهل فاستشاره في أمر محمد،


(١) انظر تعليقنا بعد الآتي (٨/ ٤٠٥/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>