الودك والمرَق يسيل من الجباب، فخلعتها وأرسلت بها إلى منزلي، ودعوت القصّارين والوشائين فجهدت جهدي أن تعود كما كانت فما عادت.
وذُكر عن البحتريّ أبي عبادة، عن عبيد الله بن أبي غَسّان، قال: كنت عند محمد في يوم شاتٍ شديد البرْد، وهو في مجلس له مفرد مفروش بفرش؛ قلّما رأيت أرفع قيمة مثله ولا أحسن، وأنا في ذلك اليوم طاوٍ ثلاثة أيام ولياليهنّ إلّا من النبيذ؛ والله لا أستطيع أن أتكلّم ولا أعقل، فنهض نهضة البول، فقلت لخادم من خدم الخاصّة: ويلك! قد والله متّ، فهل من حيلة إلى شيء تلقيه في جوفي يبرد عنِّي ما أنا فيه! فقال: دعني حتى أحتال لك وأنظر ما أقول، وصدّق مقالتي، فلما رجع محمد وجلس نظر الخادم إليّ نظرة، فتبسّم، فرآه محمد، فقال: ممَّ تبسَّمت؟ قال: لا شيء يا سيدي، فغضب. قال البحتريّ: فقال: شيء في عبيد الله بن أبي غسان، لا يستطيع أن يشمّ رائحة البطيخ ولا يأكله، ويجزع منه جزعًا شديدًا. فقال: يا عبيد الله هذا فيك؟ قال: قلت: إي والله يا سيّدي، ابتليت به، قال: ويحك! مع طيب البطّيخ وطيب ريحه! قال: فقلت: أنا كذا، قال: فتعجّب ثم قال: عليّ ببِطيخ، فأتِيَ منه بعدّة، فلما رأيته أظهرت القشعريرة منه، وتنحّيت. قال: خذوه، وضعوا البِطِّيخ بين يديه، قال: فأقبلت أريه الجزع والاضطراب من ذلك، وهو يضحك، ثم قال: كُلْ واحدة، قال: فقلتُ: يا سيّدي، تقتلني وترمي بكلّ شيء في جوفي وتهيّج عليّ العلل، الله الله فيّ! قال: كلْ بِطيخة ولك فرش هذا البيت؛ عليّ عهد الله بذلك وميثاقه، قلت: ما أصنع بفرش بيت، وأنا أموت إن أكلت! قال: فتأبّيت، وألحّ عليّ، وجاء الخادم بالسكاكين فقطعوا بطيخة، فجعلوا يحشونها في فمي، وأنا أصرخُ وأضطرب؛ وأنا مع ذلك أبلع، وأنا أريه أني بِكرْه أفعل ذلك وألطم رأسي، وأصيح وهو يضحك، فلما فرغت تحوّل إلى بيت آخر، ودعا الفرّاشين، فحملوا فرش ذلك البيت إلى منزلي، ثم عاودني في فرش ذلك البيت في بطيخة أخرى، ثم فعل كفعله الأول، وأعطاني فرش البيت؛ حتى أعطاني فرش ثلاثة أبيات، وأطعمني ثلاث بطّيخات، قال: وحسنت والله حالي، واشتدّ ظهري.
قال: وكان منصور بن المهديّ يريه أنه ينصح له، فجاء وقد قام محمد يتوضأ، وعلمت أن محمدًا سيعقبني بشرّ ندامة على ما خرج من يديه؛ فأقبل عليّ