للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منصور ومحمد غائب عن المجلس، وقد بلغه الخبر، فقال: يا بن الفاعلة، تخدع أمير المؤمنين، فتأخذ متاعه! والله لقد هممتُ أفعل وأفعل، فقلت: يا سيّدي، قد كان ذاك؛ وكان السبب فيه كذا وكذ، فإن أحببتَ أن تقتلني فتأثَم فشأنك، وإن تفضّلت فأهل لذلك أنت، ولستُ أعود. قال: فإني أتفضّل عليك. قال: وجاء محمد، فقال: افرشوا لنا على تلك البرْكة، ففرشوا له عليها، فجلس وجلسنا وهي مملوءة ماء، فقال: يا عمّ، اشتهيتُ أن أصنع شيئًا؛ أرمي بعبيد الله إلى البرْكة وتضحك منه. قال: يا سيّدي إن فعلتَ هذا قتلتَه لشدة برد الماء وبرد يومنا هذا، ولكني أدلك على شيء خيرتُ به، طيّب، قال: ما هو؟ قال: تأمر به يشُدّ في تخت، ويُطرح على باب المتوضأ، ولا يأتي بابَ المتوضّأ أحد إلا بال على رأسه. فقال: طيّب والله؛ ثم أتَى بتخت فأمر فشُددت فيه، ثم أمر فحمِلت وألقِيتُ على باب المتوضأ، وجاء الخدم فأرخوا الرِّباط عني، وأقبلوا يرونه أنهم يبولون عليّ وأنا أصرخ، فمكث بذلك ما شاء الله وهو يضحك. ثم أمر بي فحُلِلتُ ورأيته أني تنظّفت وأبدلت ثيابي وجاوزت عليه (١).

وذكر عن عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربجع عن أبيه - وكان حاجبَ المخلوع - قال: كنتُ قائمًا على رأسه، فأتَى بغدَاء فتغدّى وحده، وأكل أكلًا عجيبًا، وكان يومًا يعدّ للخلفاء قبله على هيئة ما كان يُهيَّأ لكلّ واحد منهم يأكل من كلّ طعام، ثم يؤتَى بطعامه. قال: فأكل حتى فرغ ثم رفع رأسه إلى أبي العنبر - خادم كان لأمه - فقال: ادْهب إلى المطبخ، فقل لهم يهيئون لي بزْماورْد، ويتركونه طوالًا لا يقطّعونه، ويكون حشوه شحوم الدّجاج والسمن والبَقْل والبيض والجبن والزيتون والجوز، ويكثرون منه ويعجلونه؛ فما مكت إلا يسيرًا حتى جاءوا به في خوان مربّع، وقد جعل عليه البزْماورد الطوال، على هيئة القبة العبدصمديّة، حتى صيّر أعلاها بزماوردة واحدة، فوُضع بين يديه، فتناول واحدةً فأكلها، ثم لم يزل كذلك حتى لم يُبقِ على الخوان شيئًا.

وذكر عن عليّ بن محمد أنّ جابر بن مصعب حدّثه، قال: حدثني مخارق، قال: مرّت بي ليلة ما مرّت بي مثلها قطّ، إني لفي منزلي بعد ليلٍ؛ إذ أتاني رسول


(١) لهذا الخبر الطويل مع الأبيات الشعرية (٥١٨ - ٥١٩) انظر الوزراء والكتاب (٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>