لهم: إنَّ من الأمور أمورًا لا يعلم بها العامَّة؛ وأنا عليل، ولعلي أعطي الجند أرزاقهم ثم أخرج بهم إلى عدوّكم، فطابت أنفسُهم وخرجوا عن غير شيء، وعادت العامة والتّجار بعدُ إلى الجزيرة التي بحذاء دار ابن طاهر؛ فصاحوا وشكوْا ما هم فيه من غلاء السعر، فبعث إليهم فسكَّنهم؛ ووعدهم ومنَّاهم، وأرسل ابن طاهر إلى المعتز في الصلح، واضطرب أمرُ أهل بغداد، فوافَى بغداد للنصف من ذي القعدة من هذه السنة حماد بن إسحاق بن حماد بن زيد، وَوُجِّه مكانه أبو سعيد الأنصاريّ إلى عسكر أبي أحمد رهينة، فلقي حماد بن إسحاق ابنَ طاهر، فخلا به فلم يُذكرَ ما جرى بينهما. ثم انصرف حماد إلى عسكر أبي أحمد، ورجع أبو سعيد الأنصاريّ، ثم رجع حماد إلى ابن طاهر، فجرت بين ابن طاهر وبين أبي أحمد رسائل مع حَمّاد.
ولتسع بقِين من ذي القعدة خرج أحمد بن إسرائيل إلى عَسْكر أبي أحمد مع حماد وأحمد بن إسحاق وكيل عبيد الله بن يحيى بإذن ابن طاهر لمناظرة أبي أحمد في الصلح.
ولسبعٍ بقين من ذي القعدة أمر ابنُ طاهر بإطلاق جميع مَنْ في الحبوس ممن كان حُبس بسبب ما كان بينه وبين أبي أحمد من الحروب ومعاونته إياه عليه فأطلقه، ومن غد هذا اليوم اجتمع قوم من رجّالة الجند وكثيرٌ من العامة، فطلب الجند أرزاقَهم، وشكت العامة سوءَ الحال التي هم بها من الضيق وغلاء السعر وشدّة الحصار، وقالوا: إمّا خرجتَ فقاتلتَ؛ وإما تركتَنا؛ فوعدهم أيضًا الخروج أو فتح الباب للصلح، ومنَّاهم، فانصرفوا.
فلما كان بعد ذلك، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة شَحَن السجون والجسر وباب داره والجزيرة بالجند والرجال، فحضر الجزيرة بَشَرٌ كثير، فطردوا مَنْ كان ابن طاهر صيّرهم فيها، ثم صاروا إلى الجسر من الجانب الشرقي، ففتحوا سجن النساء، وأخرجوا مَنْ فيه، ومنعهم عليّ بن جهشيار ومَنْ معه من الطبريّه من سجن الرجال، ومانعهم أبو مالك الموكل بالجسر الشرقيّ، فشجّوه وجرحوا دابتين لأصحابه، فدخل داره وخلّاهم، فانتهبوا ما في مجلسه، وشدّ عليهم الطبريّة فنخَوْهم حتى أخرجوهم من الأبواب، وأغلقوها دونهم، وخرج منهم جماعة، ثم عبر إليهم - محمد بن أبي عون، فضَمِن للجند