ثالثها: ما لم يقم دليل على اعتباره أو نفيه، وهذا موضع نظر المجتهدين، فيذهب كثير منهم إلى مراعاته، ويجعلونه أصلاً من أصول الشريعة يبنون عليه فتاوى وأحكاماً، وأكثر ما تجد هذه الفتاوى في كتب المالكية والحنفية والحنابلة.
وصلة العادة بالشريعة على وجهين:
أحدهما: أن يغلب على الناس أمر، فيقرره الشارع، ويجعله حكماً يقضي به عند الاختلاف. ومثال هذا من الشريعة الغرّاء: وضع الدية على العاقلة، ومراعاة الكفاءة في النكاح. والتحقيق: أن الشريعة العادلة لا تجعل نفس العادة قانونًا إلا أن تكون العادة معقولة صالحة.
ثانيهما: أن يغلب على الناس معنى، فيراعيه في تفصيل حكم الواقعة، حتى إذا تبدلوا بذلك المعنى عرفاً آخر، كان على المفتي إعادة النظر في الواقعة لتقرير حكم يراعى فيه العرف الطارئ، وهكذا يتجدد النظر في الواقعة ما تجددت العادات. ومثال هذا: أن يجري العرف في بضاعة بدفع ثمنها نقدًا، فإذا اشترى أحد شيئاً من هذه البضاعة، ووقع في حيازته، ثم قام البائع يدعي أنه لم يقبض ثمنها، وادعى المشتري أنه سلّم له الثمن حسب العادة الجارية، فأصل مراعاة العرف يقضي بأن يكون القول للمشتري مع اليمين متى عجز الباع عن إقامة البينة. فالحكم الذي بني على العرف في هذا المثال، وهو جعل القول للمشتري حيث صدّقه العرف حتى يكذبه البائع ببينة.
ومن أمثلته: أن العادة جارية في كثير من البلاد على أن الرجل يستودع